عمان /الاردن
استضافت العاصمةالاردنية عمان وتحديدا مؤسسة عبد الحميد شومان /منتدى شومان الثقافي الفنان القدير السوري أيمن زيدان ، في تجمع ثقافي تشرفت بحضوره ،حيث كانت تديره وتقدمه الاعلامية الاردنية ميس النوباني، والذي التقى فيه الفنان مع جمهوره الذي جاء باكرا ليلتقيه ، وبعدد مزدحم وحضور مميز يملأ القاعة المؤلفة من طابقين، حيث كان هذا الحضور كفيلا بان ينتشل الفنان من شعوره بالاحباط (بحسب وصفه) ولو لبعض الوقت !
مع "الرجل الشجاع " الذي ما زال
- بالرغم من كل آلام الحرب وقسوتها - يقاوم متشبثا ببقايا أمل بعد كم من الأحزان مضافا اليها هزائم وخيبات الالم التي اعتصرت وجدانه، كيف لا وهو من جيل عايش نهوض الاحزاب القومية والماركسية فكان جيلا حالما ،الا انه اصيب بالخيبة لما عاصره من هزائم وانكسارات واوهام انتصار (بحسب تعبير الضيف)
ليكون آخر وصفه:
"عباءات من الهزيمة ارتمت علينا"
والحرب التي كانت اضافة فارقة لمسيرة الخيبات ، وبنتائج كانت عكس التوقعات، فحفرت في وجدانه اقسى مشاهد الدمار ، ليجد حلمه ينهار ، والخراب يملأ المكان من حوله ، وعليه ان يستجمع قواه ويلم حطامه ليواجه عبثية الحياة بعد الحرب وبعد الكارثة.
تحدث لجمهوره بصراحة وببساطة بعيدا عن اي بروتكولات او مساحيق اعلامية!
( فالرجل الشجاع ) جاء من بلاد الياسمين الغافي على جرحه ، متعب هو ومرهق كما هو ياسمين دمشق ، وبصوت مجروح تحدث الينا حتى وان باءت محاولته باخفاء ذلك بالفشل .
حياته :
تحدث ببساطة ؛ لربما اكتسبها من قرية (الرحيبة ) شبه المنسية على خارطة الوطن على حد تعبيره ، حيث لمس المستمع للحوار ، نغمة حزن مخفية بين الحروف ، وخلف الكلمات صوت حنين وشجن اطلقها العاشق وهو يتحدث عن قريته وعن اهلها وبساطتهم ، فكانت عيونه تشع عشقا ، كمن ذكر محبوبته وهو بين الرفاق فلمعت اشتياقا وهياما عيناه ، ونشر قلبه الدفء - دون سابق انذار - حيث تلمسنا هذا الدفء والوهج خلال حديثه الانسيابي.... !
ولد الفنان لعائلة بسيطة تقليدية، فطفولته لم يكن فيها ما يميزها كطفولة (مايكل انجلو) او ( بتهوفن) كما ذكر الضيف ساخرا ، فهو ابن لعائلة تقليدية لم تكن تتوقع ان يكون ابنها مشروع نجم ،
واسترسل بسرد بعض من الذاكرة عن طفولته الشقية مع شقيقاته عندما بدأ باول عمل فني فكانت اولى شرارات الموهبة، حتى وان انتهت (بعلقة) من الوالد - الذي كان شرطي بذلك الوقت - له ولشقيقاته !
انتقل الفنان الى دمشق القديمة حيث عاشوا بغرفة واحدة ،ولم يخفي حنينه لتلك الحياة ، والتي برغم قسوتها والتحديات الاقتصادية آنذاك الا انها كانت الاصدق والاكثر بساطة.
فحنينه لدمشق القديمة اثناء الحوار كان كحنين المحارب الذي وصل حد الإشباع من مناظر الحرب ودمويتها والدمار، فقرر ان يستريح، فاستظل بشجرة و اغلق عينيه و بدأ يستذكر محبوبتة ويحلم بجدائلها وبتفاصيل وجهها ، وبلحن صوتها، وبأجمل لقاء جمعه فيها ...!!
وبسخرية ومقرا بوجوده ؛ انتقد الفساد من خلال قوله "ان اولى بذوره " نشأت عندما سجله عمه بمدرسة الايتام بالرغم من انه ليس بيتيم...ليحصل على امتيازات اليتيم!
تحدث الضيف عن ذكرياته من الطفولة مرورا بايام الدراسة المشاكسة الممزوجه بقليل من التمرد العفوي ، وصولا لاولى خطواته بمشوار الفن ، وكان كلما انغمس اكثر بالذكريات ، كلما زاد الحنين وبرقت عيون العاشق وازدادت لمعانا ، وكان ظاهرا من خلال استرساله بالحديث وانسياب الحروف بكل سلاسة وبمحبه...!
الحرب والدراما السورية :
كان لابد للمحارب من ان يعود ، فالوقت يمضي والحرب لم تشد رحالها بعد ، وان فعلت فما زال الحطام يملأ المكان ومثله الوجدان محطم ومبعثر ، وعليه ان يواجه"عبثية الحياة ما بعد الحرب " كما وصف الضيف، القادم .
بدأت الجمل تزدحم اثناء حديثه عن الحرب وقسوتها، وكيف القت بظلالها على الدراما السورية، فكان كمن استيقظ من حلم جميل ليجد مرارة الواقع تحيط به ،فالحرب الكونية الشرسة على سوريا كانت احداثياتها اكبر من ان يستوعبها عقل (ايمن زيدان)
حاله حال الجميع !
فردد قائلا :
"مما سببت الصدمة لاننا لم نكن نتوقع نتائجها" بحد وصفه
حيث انعكست الحرب على الحياة الاجتماعية والفنية خصوصا مع "وجود شعوب ماهرة بالاصطفاف السياسي " كما وصفها ، مما اثر على الدراما السورية ، وادى الى تعرض تسويق المنتج السوري لصعوبات مضاف اليها ان المنتج السوري كان محاصرا سياسيا ،
مع الاتفاق على ان الفنان بالنهاية هو انسان يتعاطى مع ظروفه واحتياجاته الطبيعية والعادية في ظل عوز اقتصادي، وبالتالي ادى لضعف بنوعية المنتج و تحوله للاستهلاك المحلي ،
الفنان ايمن زيدان المالك لتاريخ فني كبير ، خوفا من اضطراره لتقديم منتج بهكذا ظروف لا تعبر عن طموحاته وتاريخه في ظل غياب مشروع فني درامي يلبي ولو جزء من طموحاته، فضل ان يبتعد عن الشاشةالصغيرة متجها للسينما، وهذا قرار يحترم للحفاظ على مكانته الجماهيرية وما عودنا عليه من اعمال مميزة ترتقي لعقلية المشاهد المعرفية وخصوصا الباحثة عن الاعمال التي تخاطب العقل وتحافظ على تميزها.
بفترة الغياب عن الدراما و(الشاشة الصغيرة) ، تقرب للسينما وعلى مايبدو اصبح اكثر عشقا لها وذوبانا ، والمراقب للاعمال الفنية السينمائية ، يجد انه قد وجد فيها نافذة يطل منها ، لينفس و يفرغ كل ما في اعماقه وذاكرته من جراح الحرب الكونية على سوريا وقساوتها و انعكاساتها و احزانه الشخصية ، من خلال اعمال فنية رائعة ، فكانت حصيلة نشاطه في خمس سنوات غياب : بطولة ٣ افلام سينمائية مثل "درب السما" "جبال الشمس" ، اخراج ٢ فيلم روائي "امينة" "غيوم داكنة" ، كتابة ٣ مجموعات قصصية "اوجاع" "ليلة رمادية" "تفاصيل"، وخمسة عروض مسرحية مثل "ثلاث حكايات" .
والمراقب للعطاء الفني للفنان ايمن زيدان ولشخصيتة المنكسرة والمحبطة، والتي تتصف وبمواقع معينة بالمتشائمة ،والتي تركت الحرب فيها ذاك الكم الهائل من الاخفاقات والحزن ، يجد انه اعاد تدوير تفاصيل الحرب بمخزونها السوداوي في داخله الى حياة وفن ومعرفة وعطاء وبقايا حب ...!!
وانه اخذ على عاتقه ان يوثق "بعض من كل " باعمال فنية تكون مرجعية للاجيال القادمة.
وعن الظروف القاسية التي تحيط بالسينما في سوريا تحدث الفنان : "عن حالة تجييش اعلامي روجت لنهاية الدولة "، وضمن ما هو متاح للسينما السورية سياسيا ، حيث حوصرت السينما السورية بقرار سياسي تماما مثلما حوصرت الدولة بجميع مكوناتها ، فلم تعد جميع المهرجانات متاحة ، اضافة لوجود سينما للمعارضة و"يحتفى بها في كثير من الفعاليات " بحسب وصف الفنان ، وقد صدف تواجدهم كفريقين متناقضين (المنتمي واللامنتي ) باكثر من فعالية ، ولا ننسى انها ستكون مدعومة ماليا ولوجستيا على مستوى عالي (حالها حال الحرب الكونية على سوريا كيف لا و هما مدعومتان من نفس الممول) ، ولا ينكر الفنان ايمن انها "سينما تدون للاجيال تاريخ هذه الحرب بوجهة نظر مختلفة" ،
لكن وبالرغم من كل هذا التجييش "ما زالت الدولة قائمة ونهايتها مغالطة كبيرة ، فصناعة السينما تتطلب مجموعة من البنى التحتية ومؤسسات رسمية ، وهذا دليل واضح على وجود للدولة واستمراريتها "، مستشهدا بان ماقبل الحرب كان انتاج السينما ٢ فيلم سنويا ليسجل ٥ افلام سنويا اثناء الحرب ، وهذا يسجل كانجاز للسينما السورية بالرغم من حالة الانكماش الاقتصادي ، وظروف الحرب .
واما عن النظرة المستقبيلة للفنان ، وبالرغم من انه تعايش مع فكرة ان يعيش اللحظة بلحظتها ، وان لا يعلق امل على المستقبل ،فالحرب ومفاجآتها لن تعطي فرصة الاختيار بالبقاء حيا او ميتا ، فلذلك و بانهزامية مباحة لا داعي لاي خطط مستقبيلة....!!
الا انه ذكر ان ما بعد انتهاء الحرب العسكرية " يوجد ارتدادات للحرب اوجدت نظريته الخاصة :"بناء البشر والتي اكثر اهمية من بناء الحجر " مضيفا "والتي تعتمد على اعادة بناء المنظومة الاخلاقية والثقافية وتحتاج لمسؤولية اكبر ".
محطات فنية:
"نهاية رجل شجاع"
علق الفنان :
"جاء العمل نتيجة لشغف الفنان ايمن زيدان بالبحث عن عمل مختلف ، ورغبة في ان يحول انتاج تلفزيوني يحتوي على عناصر العمل الجيد من ثقافة ومعرفة وجمالية تزامنا مع الجانب الربحي وكونه مقترح فني جديد، كان لا بد من وجود مخرج بصري مختلف وباسلوب جديد ومميز بطريقة تعاطيه مع العمل "، وانتهت عين الفنان المترقبة والباحثة لما هو جديد للمخرج انجدت انزور الذي كان يقدم عمل فني عبر محطة اردنية بذلك الوقت، حيث لفت انتباه الفنان ايمن طريقة تعاطي انجدت انزور مع الكاميرا بجرأة وبشكل غير تقليدي وخارج عن المألوف ، وكان الاختيار رواية الاديب حنا مينه مختتما العمل بالموسيقى التصويرية التي اضافت رونق للعمل من خلال "طارق الناصر " الذي كان حاضرا بالندوة .
"مسلسل باب الحارة "
وعن مشاركته باحدى اجزاء المسلسل علق الفنان بصراحة مطلقة ان "سبب المشاركة كان اقتصاديا بحت" ، حيث نلتمس بعض العتب وبعض ندم خفي...!
ليس من باب التقليل بقيمة العمل ، بل كونه مشروع فني لاينتمي له الفنان بحسب وصفه.
مسلسل "هولاكو "
حيث اخذته الذاكرة الى كم الصعوبات التي كانت تواجه الفنان بذلك الوقت ،واعتماده على الوسائل الني تتطلب جهد ووقت ، ووسائل بسيطة لانجاح العمل - ورغم ذلك لم يشعروا بالتعب لانهم كانوا محبين للعمل وللعطاء - عكس الفن الحاضر الذي يتميز بوجود وسائل متطورة وتكنولوجية وفرت الوقت والجهد -
قصة الفنان ايمن زيدان وجبهة النصرة:
تحدث بالم وحزن ممزوج بنكهة من السخرية ، بسبب ضياع تعبه وملاذه الذي كان يُعده لحياته المتبقية ألا وهو منزله في سوريا الذي استولت عليه جبهة النصرة الارهابية وحولته لمحكمة شرعية وقامت باتلاف مقتنيات واشرطة فيديو ووثائق فنية ..!!
رسالة للشباب :
الفنان الانسان ذو الخبرة الفنية والحياتية ، اختزل تجاربه الحياتية بكل تفاصيلها (المنهزم منها والمنتصر ) برسالة موجهة للشباب :
"دافعوا عن احلامكم ، كونوا اوفياء لاحلامكم ، وبقدر نزاهة الحلم ستكون قوتكم"
هو الفنان العاشق ؛ لان من يتعاطى بهذا الحب والعنفوان مع وطنه، خصوصا بالوقت الذي اصاب مفهوم الوطنية حالة من الجنون والفوضى واختلاط المفاهيم والنوايا، ما هو الا بعاشق وحد الثمالة ، حتى لو لم يصرح بذلك، هو الانسان الذي تركت الحرب في وجدانه قدر كبير من الصدمة والحزن الممزوج بالغضب الدفين ، و هو ذلك الانسان الذي يخفي بين ضلوعه ألم خاص ، وضعه بغرفة خاصة مغلقة بثنايا وجدانه ، وبكثير من الاوقات يقرر الدخول لهذه الغرفة ويغلق على نفسه الباب ، ليمارس طقوس حزنه وحيدا وبصمت وكبرياء وهدوء ، وعندما يقرر يوما ان يخرج يتحفنا بعمل يرتقي فينا ويضيف للذاكرة المعرفية المزيد من المحطات التي سيذكرها التاريخ، ثم يعود مجددا لتلك الغرفة المغلقة بعيدا عن الاضواء والاعين لينشد ترانيم الشجن مخيما عليها الصمت والوجوم ، فهو انسان كلما تألم اكثر اعتصر حبا وعطاءا وعشقا.
مع تمنياتي الخالصة للعزيز (المتشائم ) بكل ما هو سعيد ومفرح وبقليل من الامل والتفاؤل
فبالرغم من كل ما هو كئيب ومحبط ما زال على هذه الكرة المجنونة والفوضوية والعبثية.....
ومع هذا الكم من الاخفاقات والانكسارات ......
شيئا ما يستحق الامل ...!!!!