ستي (عيشة) والقمل والفاسدين
مقالات
ستي (عيشة) والقمل والفاسدين
رانيا هاشم سلطان
11 أيار 2020 , 23:03 م
وحسب بروتوكولات (ستي) العسكرية الخاصة بها، يأتي دورها كقائد عسكري ، وكولونيل مخضرم ، وبمشية هتلرية عند الإستعراض العسكري ،تقدمت نحونا ، وبأناملها الرفيعه وبحركة سحريه خفيفه ،قامت بنثر ماده بيضاء أشبه بالطحين على رؤوسنا ،يمتاز برائحه: قويه ،نفاذه،وخانقه لحد ما...!!

من منا لا يحمل بذاكرته الكثير من قصص الماضي بسيرته الذاتية ان صح التعبير ، والتي حدثت معه سواء بطفولته او حتى شبابه ، وفي لحظة صفاء ذهني ، يسترجعها ويستعرضها، منها المضحك ومنها المؤلم، ومنها البريء ومنها الشقي ومنها المشاغب.


بالنسبة لذاكرتي المُتخمة بالذكريات ،فألأرشيف عندي ممتليء والذاكرة بين الحين والآخر تعيد تدويرها وإسقاطها على أحداث يومية نُعاصِرها، أحداث منها السياسي أو الاقتصادي أو حتى المعيشي...

يُحكى انه -ايام الزمن الجميل - عندما كنا أطفال وأقصى أمنياتنا لا تتجاوز الشقاوة البريئة البعيدة عن متطلبات جيل اليوم التِكْنُولوجية، والتي لم تكن على أيامنا ، ولظرف ما و دون موعد، أُصِبت أنا وإخوتي بالحشرة المُتطفلة (القمل) ....!

نعم بكل شموخ وكبرياء إنه القمل ...!!!
فما كان من والدي إلا أن يلجأ لوالدته (ستي عيشة ) والتي كان معروف عنها أنها "المرأة الحديدية"، والتي عندها لكل مشكلة حل، فكانت محطتنا ببيت جدي في محافظة مادبا ( تبعد 33 كيلومترًا جنوب غرب العاصمة عمّان مسقط رأسي) ،لنقضي عطلة الصيف وفترة العلاج من جهة ، ومن جهة أخرى كان والدي يعتبرها محطة مهمة ليلقي بحمله هناك (حضرتنا واخوتي) فهي بالنسبة له كالتجنيد الإجباري الذي سنتلقى فيه التدريب و التربية العسكرية الصارمة من الكولونيل الديكتاتوري(ستي)، مع العلم نحن كأطفال نعتبرها المنفس الوحيد ودرب الحرية بعيدا عن ضوضاء المدينة ، والقيود التي كانت تحيط بنا ، حيث هناك كان تفاعلنا مع حياة البرية، ومع اولاد العم (جيش المغول والتتار) وهذا اسمى واقصى ما نطمح اليه حينها.

وطبعا لفهم ما سيأتي لاحقا (طريقة العلاج الذهبية) ، لا بد من أن أُلقي الضوء على شخصية (ستي عيشة) وظروفها، عله يكون عُذرا مُبررا لما سيأتي لاحقا من أسلوب تكتيكي قاسي لحل المشكلة.

 


ستي "اﻹمرأة الحديديه " اذا قرَرَت....ﻻ نقاش وﻻ جدال...، وعقولة اخوتنا المصريين "ما عندهاش يمى إرحميني "،وﻻ حتى إزيك، فبعد أن كانت تتمتع بحياة مسالمة وبسيطة في قرية عرتوف قضاءالقدس ، جُل اهتمامها الارض والاغنام والحصيدة والزراعة بأرضهم، حتى وجدت نفسها وعائلتها (كما هو حال أغلب الفلسطينين سنة 1948) ؛ضمن قوافل اللاجئين الهاربين من بطش العدو الصهيوني ، تاركة كل شيء على إعتبار "يومين وراجعين" ليستقر فيها كما حال البقية في مخيم مؤقت بمنطقة الكرامة ( منطقة الأغوار الأردنية) ، وبعد أن خيم يأس اللاعودة عليهم ، وفقدوا الأمل ، وصار واجبا عليها ان تُسَلم بالأمر الواقع ، من إبنة المختار زمن البلاد الى لاجئة في مخيم...؟!!


إنتقلوا من الكرامة لمخيم اللاجئين الفلسطينين (مخيم العودة) في مدينة مادبا بمساعدة جد أُمي ( احد مشايخ عشيرة الفواعير الاردنية) ، هذه الصدمة النفسية ، والتحول الجذري ،زادها صلابة وقوة،لتصبح صاحبة قرار حاسم ، زاد على شخصيتها الاساسية- القوية- الكثير.

 


وبالعودة لما اصابنا من فاجعةْ إصابتنا بالقمل ، وبما ان "السوبر ناني" ،"التيتيه" ، "ستي" كانت هي المُنقذ الوحيد والحصري لهكذا مشكلة ...بل وهي الوحيده التي تملك وكالة حصريه للعلاج .....وﻻ يوجد وكﻻء أو فروع أخرى بالمملكه....!!!!!!

 


بذلك اليوم أوقفتنا بطابور منظم ،أشبه بالعرض العسكري ، والمطلوب من كل مغدور يتخذ وضعية الإقعاء ، و يمد رأسه للأمام (شبه المحكوم بالإعدام )، وفي ظل الصمت الذي خيّمَ بتلك اللحظة ، وحسب بروتوكولات (ستي) العسكرية الخاصة بها، يأتي دورها كقائد عسكري ، وكولونيل مخضرم ، وبمشية هتلرية عند الإستعراضالعسكري ،تقدمت نحونا ، وبأناملها الرفيعه وبحركة سحريه خفيفه ،قامت بنثر ماده بيضاء أشبه بالطحين على رؤوسنا ، والفارق الوحيد بينه وبين الطحين إنه طحين يمتاز برائحه:

قويه ،نفاذه،وخانقه لحد ما...!!

 


طبعا للعلم وازيدكم من الشعر بيت، عندما كَبرت واستَوعبت ما جرى بتلك الحقبة الزمنية السوداء ، إكتشفت أن هذه الماده هي مادة ""ddt"" وهي مادة كيميائيه
تستخدم كمبيد للحشرات...!!


ومهما تعددت الاستعمالات الأهم انها غير صالحة للإستخدام البشري...!! والتي كنت أُعزي نفسي كلما تذكرت الحادثة ،ومن مبدأ النظر للجانب الممتليء من الكأس،كنت أُرجِع سبب كثافة شعري وقوته إلى ستي عيشة وخيارات ستي ومادتها السحرية ....!


(ستي) الحنونه دون سابق موعد ؛ لإجتثاث الطُفيليات الفاسدة قررت القضاء على القمل و البشر بنفس الوقت ...!!

أما بالنسبة للذكور من أحفادها،لم تكتفي بهذه المادة ،بل كخطة اضافيةوقائية، وبمبدأ (إحلق وإمشي )وعلى (الزيرو) بلغة الحلاقين ، لتتم السيطرة المطلقه على الوضع ، مع العلم لحد الآن سؤال يراودني؛ طالما من البداية كانت ستقوم بحلق رؤوسهم ، لماذا عرضتهم لتلك المادة السامة ؟!
عموما شقيقي المُفتخر دوما بشعراته ،وبكثافة شعره وجماله ، أعتقد غزارة شعره اﻵن سببها شفرة سيدي المصديه بذلك الوقت...!!!! ولربما زملاؤه الأكاديمين والأطباء يعتقِدون أن خلطات سرية، وكريمات خاصة يستحدثها لشعره بحكم دراسته بمجال الصيدلة السريرية ، ولا يعلمون ما أَعلم من وثائق ويكيليكس في تاريخ العائلة الإجرامي ،والي بدري بدري ...!



بعد هذه العملية القاسية ، وبحسب التسلسل العلاجي لستي ، وصلنا للمرحلة الأخيرة،مرحلة (اللجن) وهو الشاور كما يُطلق عليه جماعة الهاي كلاس في الوقت الحاضر؛ طبعا الشاور تبع ستي عبارة عن وعاء معدني كبير نجلس فيه بوضعية القرفصاء ،اضافة للصابونة النابلسية (نسبة لمدينة نابلس التي إِشتهرت بصناعته) وإبريق بلاستيكي لصب الماء (الدش) أو (الشاور ) ، والليفة وما أدراكم ما الليفة ؛ هي السبب الرئيسي والراعي الرسمي لإستخراج جلد جديد للضحية خصوصا اذا كانت بين أنامل كأنامل (ستي) ، طبعا الشاور تبع (ستي) عبارة عن وعاء معدني كبير ، وهو باعتبار سجن إنفرادي يتم حشرنا فيه ظاهريا للإستحمام ،وجوهريا هو لجرد الحِساب ، حيث يبدأ عقاب ستي بتصفية الحساب بحيث ترتبط قوة تمرير (الليفة ) على اجسادنا بما يتناسب طرديا مع التقرير الإستخباراتي الذي تملكه (ستي)طبعا.....! بعد هذه العملية العلاجية المعقدة يتم اطلاق حريتنا ،لنكمل الحياة بعد ما ربنا كتب لنا عُمر جديد بعد المادة البيضاء (ddt)... وساعات المعاناة التي قضيناها في رحلة العلاج....!!



اﻵن تحديدا وبهذه الظروف وما نعاني من ترهل وفساد سياسي وإقتصادي ،بسبب فاسدين إغتصبوا مقدرات أوطانهم وخيراتها على حساب الشعوب ، ما أحوجنا ل "ستي" ولشخصية ستي و لقرار صارم وحصري لرؤوس الفاسدين، ما أحوجنا لمادتِها البيضاء (ddt)للقضاء على طُفيليات تعيش وتنمو وتتكاثر على حساب قوت المواطن وتمتص دمه، وكم نحتاج لليفة (ستي) و(اللجن) ، لجرد الحساب مع كل مسؤول وفاسد - أين كان موقعه- سرق خيرات الوطن وجعلنا مرهونين لعبودية صندوق النقد الدولي المشروطة ...!


كم نحتاج لصاحب قرار ولشخصية وطنية بإمتياز ،ﻻ نقاش وﻻ جدال بما يخص مصلحة الوطن والمواطن ، يعمل بمقولة (جان جاك روسو ) "أعطيني قليلا من الشرفاء المثقفين ..وسأحطم لك جيشا من اللصوص والفاسدين ...".
وإلى أن يحدث ذلك أُتركوني مع ذكريات ستي (عيشة) والقمل ...!

المصدر: وكالات+إضاءات