في سياق الترويج للدولة الديمقراطية المزعومة على أرض فلسطين التاريخية، رددت بالأمس على صديق أرسل لي مقالاً يتناولها فكتبت له على عجالة أن مشروع صناعة الكيان الصهيوني هو مشروع استعماري أقر بمؤتمر دول الاستعمار السبعة لعام 1907 والمعروف باسم "مؤتمر كامبل بنيرمن".
أول تفعيل لقررات المؤتمر المذكور كانت اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916 التي تم بموجبها تقسيم بلاد الشام وما بين النهرين ووضع فلسطين تحت الوصاية البريطانية.
في العام 1917 صدر وعد بلفور الذي أعطى لليهود حقاً بأرض فلسطين، المضحك أن ملاحدة وغير مؤمنين بوجود الله أصلاً ينفذون وعداً إلهياً، أشرت لما سبق للتأكيد على أن مشروع صناعة الكيان هو مشروع استعماري وظف الدين اليهودي لتحقيق أهداف دول الاستعمار، كان ولا يزال ومن يعتقد بخلاف ذلك من خلال التذاكي بطرح الدولة ثنائية القومية هو واهم.
كما وظفت دول الاستعمار الديانة اليهودية سابقاً، وظف الإسلام السياسي للتوظيف السياسي لاحقاً.
وتتابعت مؤتمرات التقسيم بعد ذلك، سيفر، سان ريمو ولوزان.
الأحداث في منطقتنا تسير وفق خطط مدروسة، فخطط الاستعمار التي تفشل بسبب المواجهة تستبدل بأخرى بديلة، هدف كل مخططات الغرب الاستعماري هو تفتيت المنطقة وتحويلها لكيانات متصارعة لضمان أمن الكيان (إسرائيل) وصولاً لضمان مصالح دول الاستعمار فالعلاقة جدلية بين مصلحة الكيان الوظيفي في فلسطين ومصالح مؤسسيه من دول.
من المهم قراءة مقررات مؤتمر دول الاستعمار السبعة في 1907 التي لم يفرج عنها إلا لمدة أسبوع أو اثنين لتحجب بعد ذلك لخطورتها ولكونها تدين الغرب الاستعماري القبيح وتفضح زيف ادعاءاته بالديمقراطية وحقوق الإنسان وكل ما يسوق من شعارات.
- ورد بالتمهيد الخاص بمؤتمر ( كامبل بنيرمن ) وبملخص قراراته ما يلي:
مقدمة: دعا حزب المحافظين البريطاني كلا من فرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا عام 1905 إلى عقد مؤتمر سري استمرت مناقشاته لمدة عامين وتم التوصل في نهاية المؤتمر إلى وثيقة سرية عرفت باسم "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت بوثيقة "هنري كامبل بنرمان" ولقد توصل المجتمعون إلى نتيجة مفادها.. "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات والإشكالية، ويضيف التمهيد، "في هذا الشريان يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان".
وإن أبرز ما جاء في توصيات هذا المؤتمر الإبقاء على شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة
- وعلى هذا الأساس قسمت دول العالم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية ( دول أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا ) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل الى أعلى مستوى من التقدم والازدهار.
الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديداً عليها ( كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديداً عليها وعلى تفوقها.
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام ) والواجب تجاه هذه الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية ومحاربة أي توجه وحدوي فيها.
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى (إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهي "دولة إسرائيل" واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة).
منذ أقرت الوثيقة في العام 1907 وليومنا هذا ودول الاستعمار القديمة ومن ورث أدوارها (أمريكا) وهي تعمل على تحقيق الغايات المتفق عليها باستماتة، بمراجعة للمد الناصري في الخمسينيات والستينيات وما نتج عنه من وحدة لم يكتب لها النجاح بين سوريا ومصر وهي التجربة الوحدوية الثانية بعد وحدة الضم التي قام بها محمد علي 1831- 1840م من القرن التاسع عشر بين مصر وبلاد الشام.
قامت أمريكا بزمن إدارة كارتر في السبعينيات بتكليف الصهيوني برنارد لويس بإعادة تقسيم المنطقة لدويلات وكيانات على أسس إثنية، طائفية، مذهبية وجهوية، قدم مشروع برنارد لويس للكونغرس الأمريكي فتم اعتماد مشروعه في العام 1983 ليتحول لخطة عمل لدولة الشر أمريكا وتوابعها من دول استعمارية هرمة.
في العام 1995 أي بعد سقوط الإتحاد السوفييتي نشرت خطة برنارد لويس على مواقع عسكرية أمريكية وتم بعد ذلك نشر مخططات تنفيذية كان من أهمها ما نشر على موقع عسكري أمريكي عن الفوضى الخلاقة، نُشر مقال حدود الدم ل (رالف بيترز) في 15\6\2006، شنت الحرب على لبنان في 12\7\2006، أشهرت أمريكا حربها (الفوضى الخلاقة) وزيرة خارجية أمريكا في حينه (كوندليزا رايس) في بيروت ومنها أعلنتها بعد حرب تموز على لبنان بأيام، هزمت (إسرائيل) في حربها على لبنان وانتصرت المقاومة اللبنانية ولبنان على الوكيل الأهم للاستعمار (إسرائيل) فكان لا بد من استكمال المخطط باستخدام ما عجزت عنه "إسرائيل" من خلال نظم وأحزاب وظيفية ومنظمات إرهابية تم تجربتها في حرب أفغانستان، أي حرب أمريكا على الاتحاد السوفييتي.
كما أوردتُ أمريكا لا تستسلم بل تستبدل خططها في كل مفصل تاريخيّ لتحقيق أهدافها، فبعد نصر تموز قررت أمريكا استخدام عملاء "إسرائيل" من نظم وجماعات كما ورد بتقرير (سيمور هيرش) في تقريره الذي نشر في نيويوركر في 5\3\2007.
في تقرير هيرش كُتب سيناريو ( الربيع العربي) بالتفصيل وتم تنفيذه بالتفصيل كذلك بعد ذلك فيما سمي بالربيع العربي وما هو بربيع.
ولأهمية تقرير هيرش سألخص أهم ما ورد فيه بكلمات ولمن يريد التوسع عليه قراءة رابطه الموجود في ذيل هذا المقال، ملخص التقرير:
في حربي أفغانستان والعراق تكبدت أمريكا خسائر فاقت 3 تريليون دولار، ناهيكم عن الخسائر غير المباشرة، وكما الآثار النفسية والمعنوية المترتبة عليهما، نتيجة للدراسات الأميركية المتعددة، قررت أميركا إعادة توجيه سياساتها وذلك بالاعتماد على وكلاء حرب جدد فتم "إعادة توجيه" الاستراتيجية الأميركية العملانية بالمنطقه من خلال صنع أدوات جديده تخدمها، جوهر الخطة شارك بإعدادها بشكل رئيسي كل من: تشيني، إليوت أبرامز، زلماي خليل زاد، وبندر بن سلطان.
ولقد تم استثناء رايس منهم. خطة "إعادة التوجيه" اعتمدت على تقسيم المجتمعات على أسس طائفية، مذهبية، إثنية وجهوية وجوهر الخطة يتماهى مع جوهر خطة برنارد لويس.
بعد فشل استخدام وكلاء الكيان من دول وجماعات لتقسيم بلادنا لجأت أميركا و توابعها من دول الاستعمار القديم لاستخدام ورقة الأكراد وهي ورقة أميركا الأخيرة في الربع ساعة الأخيرة قبل انتهاء ربيعها، حيث تم توظيف اللاجئين من الأكراد إلى الشمال والشرق السوري وتم في العراق استخدام البرزاني حيث قام بإجراء استفتاء بهدف تفتيت العراق مستفيدا من الظرف السياسي غير المستقر في العراق.
ختاما ما تم ويتم حتى الآن هو استكمال لخطط رسمت قبل 110 عام بل وأكثر، لنتحرر لا بد من معرفة عدو شعوبنا الحقيقي فلا فرق بين أميركا وعملائها في منطقتنا و"إسرائيل" فمحور الأعداء واحد ومحور المقاومة واحد، أميركا ليست قدراً حتمياً والكيان المسمى "إسرائيل" هو أوهن من بيت العنكبوت وتوابع أميركا من الخونة العرب يعيشون أسوأ كوابيسهم في هذه الأيام، لا خلاص لشعوبنا إلا بالتخلص من سيطرة أميركا ودول الاستعمار على بلادنا وبالتخلص من الكيان المسمى "إسرائيل"، فصراعنا معها هو صراع وجود لا صراع حدود.
شاكر زلوم.. كاتب وباحث
رابط تقرير سيمور هيرش من موقعه وبتاريخ نشره
https://www.newyorker.com/magazine/2007/03/05/the-redirection
تقرير حدود الدم لكاتبه رالف بيترز مترجم
https://nasser-ss.com/wp-content/uploads/2016/03/%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85-%D8%A8%D9%8A%D8%AA%D8%B1-%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%81.pdf
om/%D8%A7% D9%84%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8- %D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8% A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9% 86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1% D8%AF%D9%86%D9%8A-%D8%B7%D8% A7%D8%B1%D9%82-%D8%B3%D8%A7% D9%85%D9%8A-%D8%AE/