مناسبتان هامتان اكتب عنهما اليوم، الاولى عيد الام، وفيها أتقدم من كافة الامهات الفلسطينيات والعرببات، بل وفي العالم اجمع، باجمل التحيات وأحر التهاني، حيث هن رمز الكفاح ومنبع العطاء ومصنع الرجال ومدرسة الاجيال، واخص بالذكر الام الفلسطينية، شريكة النضال جنبا إلى جنب مع الرجل في مقاومة الاحتلال، ورفيقة الدرب في الدفاع عن الحريات والديمقراطية والعدالة والمساواة. التحية لارواح شهيدات الثورة الفلسطينية، الشهيدة الاولي شادية ابو غزالة، والشهيدة دلال المغربي، التي احتفلنا قبل عدة ايام بذكرى استشهادها ورفاقها في عملية كمال عدوان البطولية التي ارعبت العدو. والتحية لكافة الاسيرات في سجون العدو وفي المقدمة منهن ختام السعافين واسراء الجعابيص.
الام هي الركن الأساسي في بناء المجتمع، وهي المصنع الذي ينتج الرجال، والمدرسة التي تتربى فيها الاجيال، وقديما قيل
الام التي تهز السرير في يمينها تهز العالم في يسارها
وقال الشاعر الام مدرسة اذا اعددتها.. اعددت شعبا طيب الاعراق
وقيل الكثير عن الام ودورها...
الام تزرع الامل وتصنع المستقبل، ويكفي اليوم ان نرى الامهات الفلسطينيات وهن يودعن فلذات اكبادهن الشهداء بالزغاريد ورفع رايات المقاومة، وهن يزرن أبناءهن في السجون وتوجهن لهم الدعوات بالصمود وتشد من عزيمتهم، وتقوم بكل ذلك وهي رافعة الراس وتفتخر كونها ام الشهيد والاسير.
وفي هذه المناسبة التي نحتفل فيها بعيد الام اليوم، وكنا قد احتفلنا قبل ايام بيوم المرأة وعيدها العالمي، وفي هذه المناسبات اقول ان المرأة في مجتمعنا الفلسطيني والعربي لازالت بعيدة عن نيل حقوقها والمساواة مع الرجل، ولا زالت تخضع لهيمنة الرجل والمجتمع، وتعاني من ثقافة التخلف السائدة في مجتمعاتنا وهي تدفع الثمن، ففي الكثير من البلدان المرأة لا زالت لاتملك حق الترشح والانتخاب، وفي البعض الاخر لايسمح لها بالسفر دون مرافق او سياقة السيارة ..الخ، هذا الى جانب التمييز في الحقوق.
المرأة نصف المجتمع ويجب ان تاخذ دورها كاملا، ولا خير في مجتمع يضطهد المرأة ولا يحترمها، ومن المعروف ان تقدم اي مجتمع يقاس حسب دور المرأة فيه، ولا يكفي ان يتم تخصيص يوم من كل عام للاحتفال بالام والمرأة بل يجب ان تكون كافة ايام السنة اعياد لها نقدم فيها الاحترام والتقدير لدورها. وعلينا ان ننبذ ثقافة التخلف وتتخلص من الموروث القديم الذي يقول ان المرأة ضلع اعوج وناقصة عقل ودين.
الحقيقة والواقع ان المرأة ليست كذلك، وهي تتقدم على الرجل في الكثير من المجالات اذا ما اعطيت الفرصة والتاريخ يشهد على ذلك.
المرأة العربية ليست اقل كفاءة من المرأة الأجنبية في اوروبا وغيرها، وكما وصلت المرأة في تلك البلدان الى اعلى المناصب بما فيها المنصب الاول في بعض الدول، فان المرأة العربية تستطيع ان تصل، وهي تملك من القدرات ما يجعلها تستحق ذلك وبجدارة المهم ان تتاح لها الفرصة.
لماذا تُحارب المرأة العربية وتُقتل تحت ذريعة الشرف، وهل يقتصر الشرف على المرأة، واين شرف الرجل. ان اية ممارسة مخلة بالاخلاق، اليس لها طرفان هما الرجل والمرأة لماذا تحاسب المرأة ولا يحاسب الرجل!!!
علينا ان نغادر هذه الثقافة ونعطي المرأة حقوقها على قدم المساواة مع الرجل، وهذا يتطلب
- الغاء كافة القوانين في الدساتير وقوانين الاحوال المدنية التي تميز بين الرجل والمرأة
- نشر ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة ومحاربة ثقافة الجهل والتخلف
- ان يقوم الرجل بدعم وتأييد، بل ومشاركة، المرأة في معركتها من اجل نيل حقوقها وان يمارس ذلك في البيت والعمل وداخل المجتمع
- الاهم من كل ذلك ان تخوض المرأة معركة حريتها والمطالبة بنيل حقوقها في المساواة دون تمييز، من موقع ان المرأة عليها تحرير نفسها وعلى الرجل ان يدعمها في ذلك، الحقوق تنتزع ولا تقدم مجانا
لا شك ان الكثير من الموضوعات يمكن تناولها حول المرأة ودورها وحقوقها، الا ان هذه المقالة لا تتسع لذلك.
المناسبة الثانية التي اكتب عنها في هذه المقالة هي ذكرى معركة الكرامة الخالدة التي وقعت في نفس التاريخ، ٢١/٣/١٩٦٨ وهي ذكرى عزيزة وغالية على قلوبنا وقلوب كل الوطنين العرب والفلسطينيين...
انها معركة المجد والبطولة والشهامة، ففي مثل هذا اليوم وفي هذا التاريخ تقدمت قوات جيش الاحتلال الصهيوني وشنت هجوما واسعا ومفاجئً استهدفت من خلاله قواعد الثورة الفلسطينية في منطقة الاغوار ومدينة الكرامة في محاولة منها لتصفيتها، كما استهدفت قوات الجيش الأردني التي ترابط في تلك المناطق في محاولة منها لهزيمتها واحتلال مرتفعات البلقاء وتهديد العاصمة عمان، ظنا منها ان هزيمة حزيران لازالت تلقي بثقلها على معنويات الجيش الاردني وقوات الثورة الفلسطينية.
وهنا كانت المفاجأة للعدو عندما تم التصدي له وإلحاق الهزيمة به وبجيشه، بعد بضعة اشهر على هزيمة حزيران، حيث فشل فشلا ذريعا، وخسرت قواته اعدادا كبيرة من جنودها ودباباتها، وانتصرت المقاومة والجيش الاردني ولم يستطع العدو ان يتقدم في اي موقع من مواقع القتال. وكانت هذه المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني التي تم فيها تجسيد مقولة وحدة الجيش والمقاومة والشعب
لقد استطاعت قوات الجيش والمقاومة والشعب ان تنتصر وإعادة الامل بعد الهزيمة، ولاول مرة تطلب قوات العدو وقف اطلاق النار على غير عادتها.
لقد خسر العدو في هذه المعركة، والتي لاتقل عن عين جالوت وحطين الكثير وفيما يلي اهمها،
٢٥٠ قتيلا و ٤٥٠ جريحا
٢٤ سيارة مسلحة و ٤٧ دبابة و١٨ ناقلة جند
وفقدت دولة العدو في هذه المعركة ٣ اضعاف ما خسرت في حرب حزيران وهذا ما دعى رئيس الأركان في جيش العدو بارليف ان يصرح قائلا (اعتاد الإسرائيليون ان يخرجوا من كل معركة منتصرين اما الكرامة فقد كانت فريدة من نوعها لكثرة الخسائر والاستيلاء على دباباتنا)
اما المقدم اهارون بيليد قائد مجموعة القتال الصهيونية قال (لقد شاهدت قصفا شديدا عدة مرات في حياتي لكنني لم اري شيئا كهذا)
اما خسائر الجيش الأردني كانت.
- ٨٦ شهيدا و ١٠٨ جرحى
-١٣ دبابة و ٣٩ اليه
الي جانب استشهاد وجرح عدد من الثوار الفلسطينين اللذين قاوموا ببسالة منقطعة النظير وصلت الى حد الالتحام مع قوات العدو بالسلاح الابيض.
واليوم ونحن نتحدث عن معركة الكرامة، لابد من التوقف عند اهم دروسها
الدرس الاول.. اثبتت هذه المعركة ان جيش العدو يمكن ان يهزم اذا توفرت الارادة والعزيمة على المواجهة
الدرس الثاني.. اهمية التلاحم بين الثورة والجيش والشعب وهذا ماصنع الانتصار
الدرس الثالث.. اهمية التحلي بالشجاعة واتخاذ القرار في الوقت المناسب وهذا ما فعله قائد الجيش الاردني مشهور حديثي الجازية، رحمه الله، دون انتظار وكان له اثرا كبيرا في تحقيق هذا النصر الكبير
-الدرس الرابع... انه لايوجد هزيمة للأبد ولا نكسة دائمة وان الانتصار ممكن وهذا ماحدث
-الدرس الخامس... اثبتت هذه المعركة تلاحم جماهير شعبنا العربي مع الثورة الفلسطينية قولا وعملا حيث فتحت الطريق لآلاف من الشباب ومن مختلف الأقطار العربية للالتحاق بالثورة الفلسطينية والانخراط في صفوفها
هذه وغيره العديد من الدروس
وفي هذه المناسبة
نتوجه بتحية الوفاء والاخلاص لارواح شهداء الثورة الفلسطينية والجيش الاردني وشهداء شعبنا الاردني والفلسطيني وللجرحى ولكل من شارك وساهم في هذه المعركة
والتحية لصاحب القرار الشجاع مشهور حديثي ولكل المقاومين
عاشت ذكرى معركة الكرامة التي اعادت للامة كرامتها
والنصر حليف المقاومين
والخزي والعار للمستسلمين والمطبعين والمتخاذلين
طارق ناصر
براغ، 20 آذار 2022