كتب الأستاذ حليم خاتون: مرة أخرى، مأزق حزب الله في لبنان
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: مرة أخرى، مأزق حزب الله في لبنان
حليم خاتون
10 أيار 2022 , 18:58 م


عاد راعي الأغنام إلى بيته مسرورا...

لقد عرض عليه بعض الرجال حين كان يرعى الغنم في السهل مبادلة البندقية التي يحمل والتي لم يفارق يوما منذ أن شب وصار هو من يرعى البيت بدل والده الذي جاوز السبعين؛

عرض هؤلاء على الراعي ساعة ذهبية جميلة بالمقابل...

وصل الشاب وقص على والده ما حصل معه، وأنه وافق على الأمر على أن تتم الصفقة في اليوم التالي...

نظر الشيخ إلى إبنه وسأله:

ماذا سوف تفعل إذا هاجم لصوص الماشية يوما السهل وسرقوا الأغنام..؟

هل سوف تطلق النار عليهم من الساعة الذهبية...؟

ماذا إذا هاجم قطاع طرق ولصوص البيت وحاولوا اغتصاب اختك أو امك، بعد أن يوسعوك ضربا ويأخذوا الساعة الذهبية منك... ماذا انت فاعل...؟

قصتنا مع جماعة الاغبياء المنتشرين على الشاشات يطالبون بنزع سلاح المقاومة، هي تماما نفس قصة الراعي...

أميركا والغرب والرجعية العربية يعدون بالمليارات التي سوف تتدفق على البلد إذا تم نزع سلاح المقاومة...

سوف يعود الازدهار إلى لبنان...

سوف تعود الحفلات إلى ربوع بحمدون وصوفر وبرمانا... سوف يأتي أهل الخليج لرمي النقود على الراقصات وفي المطاعم والملاهي الليلية...

قد يعود الدولار إلى ال ١٥٠٠ ليرة...

قد يضع ابن سلمان عدة مليارات من الدولارات من الودائع في مصرف لبنان...

كذلك سوف تفعل قطر والامارات...

ربما مع فائدة أقل هذه المرة، بسبب الأوضاع...

سوف يُعقد مؤتمر باريس آخر، رابع وخامس وعاشر، وسوف تعقبه مؤتمرات سيدر...

باختصار...

تمتعوا ايها اللبنانيون بهذه الاحلام التي ينسج الغرب خيوطها في عقولكم...

لكن مهلاً لحظة صغيرة...

تاريخ لبنان الذي كتبته مجموعة من الذين يؤمنون بلبنان ال ١٠٤٥٢ كلم٢، لم يأت على ذكر المالكية، ولا على اكثر من اربعين قرية وبلدة لبنانية اجتاحها الصهاينة بعد اجتياح كامل الوطن الفلسطيني...

اللبنانيون، على الأقل، نصفهم سمع بمجزرة قانا الأولى، ثم بمجزرة قانا الثانية...

بعضهم لا يزال يرى النيران تشتعل في سيارة الإسعاف قبل وصولها إلى صور ببضعة كيلومترات...

لم تفارق خيال معظم أهل الجنوب صورة تلك العائلة المنكوبة التي استهدفت الطائرات الصهيونية سيارتها الهاربة صوب الشمال بعيدا عن القصف الذي لا يرحم...

لا زلت أذكر تحذير الأقارب لنا بعدم التأخر مساء خوفا من حاجز اسرائيلي طيار في السبعينيات...

لكن الأكيد أن أحدا من أكثرية اللبنانيين لم يسمع بمجزرة حولا، ولا بما كل يحصل في الطيبة أو كفركلا أو أي قرية أو بلدة على كامل الشريط الحدودي بعمق عشرات الكيلومترات...

لقد كان الجنوبيون وأهل البقاع يعيشون رعبا كاملاً من غطرسة الجيش الإسرائيلي المدجج بأحدث ما أنتجته آلات الحرب الأميركية والغربية...

سنة ٦٨، لم يكن في لبنان لا مقاومة لبنانية ولا اي فصيل فلسطيني...

كانت المقاومة الفلسطينية لا تزال في الاردن...

لكن إسرائيل قررت أن تضرب مطار بيروت حيث أحرقت كامل أسطول طيران الشرق الأوسط، الخطوط الجوية اللبنانية...

هبطت المروحيات الغربية الصنع على مدارج مطار بيروت، وأحرق الاسرائيليون ثلاث عشرة طائرة على الأرض، ثم دخلوا إلى قاعات المطار، أخذوا ما أعجبهم من السوق الحرة بعد أن شربوا عدة كؤوس من الشامبانيا احتفالا بنجاح عملية وقف فيها الجيش اللبناني وأمن المطار، كما وقف جماعة ثكنة مرجعيون يتفرجون أو يقدمون الشاي والقهوة للإسرائيليين سنة ٢٠٠٦...

الطلقات الوحيدة التي خرجت من الجانب اللبناني كانت من رجل لم يحتمل ما حدث فقرر عصيان الأوامر وإطلاق ولو رصاصة احتجاج واحدة...

ماذا كانت النتيجة...؟

ترقيات وميداليات لكل العسكر الذي تواجد في المطار في تلك الليلة، ومحاكمة العسكري الوحيد الذي فار دمه وأطلق النار...

التهمة... عصيان الأوامر...

لذلك، عندما يقول السيد نصرالله لتلك المجموعات من العملاء المطالبين بنزع السلاح، "فشروا"...

يكون لسان السيد خير تعبير عن فكر احرار هذا البلد...

لكن...

لكن ماذا بعد...؟

يعلن السيد أن مجرد تهديد إسرائيل من قبل حزب الله بعدم الحفر في كاريش، يكفي كي لا تتقدم أي شركة إلى هكذا عمل...

هذا صحيح...

لكن كلام السيد كان تلويحا بالتهديد...

لم يكن تهديدا فعلياً، رغم أن الحفار هو على بعد أيام فقط من مياه البحر المتوسط...

لماذا لم يقم حزب الله بتوجيه التهديد الفعلي ومنع فعل التعدي على المياه الاقتصادية اللبنانية...؟

منذ أشهر، منذ أن ارتكب رئيس الجمهورية ميشال عون ذلك الفعل الشنيع الذي تبنى بموجبه خط النقطة ٢٣ حدودا للبنان، سحب من المقاومة الحجة القانونية والشرعية لتوجيه التهديد وإيقاف الحفر...

إذا لماذا يقوم السيد بالتهديد بتوجيه التهديد...؟

هل يريد السيد مواجهة ميشال عون بعد الانتخابات كي يعود عن مقابلته الصحفية المشؤومة...؟

لقد كان النائب محمد رعد أكثر من واضح، حين وجه التهديد إلى إسرائيل... متجاوزا ميشال عون...

رغم ذلك، لم يعبأ الكيان بهذا التهديد...

وزير الأشغال التابع لحزب الله هذه الأيام لم يقم بأي عمل في مجلس الوزراء بهذا الشأن...

أليس النائب رعد رئيس كتلة نواب حزب الله في المجلس...؟

حين أعلن ميشال عون ذلك الموقف المخزي، وسكت حزب الله على مضض... تحرك عملاء اميركا في لبنان يهاجمون عون ويتهمون حزب الله بالتخلي عن حقوق لبنان...

من سخريات القدر أن تتهم القوات أو الكتائب حزب الله بالتخلي عن حقوق لبنان الاقتصادية، وهم السائرين على رؤوسهم في المشروع الأميركي الصهيوني...

في لبنان، الكل يلعب خارج صحن المبدأ...

كان كل هم عملاء اميركا يقتصر على دق اسفين بين حزب الله والتيار العوني...

لم يأبه ميشال عون لغضب حزب الله...

هو يحسب أن الحزب بحاجة مستميتة له...

هل الحزب فعلا على هذه الحاجة... ما هو الثمن...؟

حزب الله يحتاج فعلا للتيار العوني...

بين الأربعة الذين أطلق عليهم اسم الكبار على الساحة المسيحية، هناك حزب القوات وحزب الكتائب الغارقان تماما في المشروع الأميركي الصهيوني...

هناك المردة الذي لا يخاصم الأميركيين ولا الغرب ولا الرجعية العربية، لكنه لا يمشي في المؤامرات كما الطرفان المذكوران...

التيار العوني، حزب يحرص على التعامل مع الأميركيين والغرب...

لقد خدم هؤلاء عون حين كان خصما لدوداََ لسوريا، وهو مستعد لخدمتهم في المقابل شرط أن لا يطلبوا منه الانتحار...

التيار العوني الذي فقد الكثير من رصيده يحتاج إلى حزب الله في هذه الإنتخابات...

يجد حزب الله نفسه مجبرا على دعم عون لانه نصف متعامل وليس عميلا كامل الاوصاف كما حزبي القوات والكتائب...

هذا في الحقيقة مأزق حزب الله الأول...

حزب الله مضطر لدعم تيار يحوي تابعين لأميركا، وتابعين لفرنسا، كما يحوي مجموعة من الطائفيين يتفوقون على الكثير من جماعة القوات أو الكتائب في العنصرية ونشر الكراهية...

مأزق الحزب الثاني هو اضطراره إلى مجاراة أهل المنظومة من جماعة الفساد...

من المذنب في هذا... ؟

إنها عقيدة الأعور بين العميان...

منذ سنين والاحرار المؤمنون بالمقاومة يطالبون الحزب بالعمل على تأسيس جبهة وطنية عريضة، تساعده على فك ارتباط الناس بهذه المنظومة، والحزب يصر كل يوم أكثر على التعامل مع نفس هذه المنظومة...

من يستمع إلى ما يردده مرشحو حزب الله أو الناطقون باسمه يسمع بوضوح أن حزب الله مصر على إكمال نفس نهج التعامل مع الأطراف اللبنانية كافة من أجل "بناء لبنان!!!"...

لقد أمضى حزب الله أكثر من خمسة عشر عاما داخل المنظومة ولم يستطيع كل هؤلاء ولا الحزب بناء دولة...

ما الذي تغير حتى يتمكن الان من النجاح...

يطلب حزب الله من الجميع التصويت له والحلفاء حتى يتمكن من الاستمرار في الدفاع عن لبنان...

سواء كان حزب الله في السلطة ام لم يكن هو مضطر للدفاع عن لبنان لأن هذا جوهر وجوده...

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو ماذا سوف يقدم حزب الله أكثر مما قدم...؟

المنطق يقول إنه لن يستطيع تقديم أي شيء أكثر من السابق...

إذا لماذا يصر الكثيرون من اليساريين الوطنيين على وجوب التصويت لهذا الحزب الديني الذي لم يتحرر بعد من الطائفية رغم الدمامل التي تفوه رائحتها من المنظومة...

ما السبب...؟

إنه فقط أمل صغير جدا ولا يُرى بالعين المجردة...

حزب الله سوف يضطر ورغما عنه، على الاختيار بين مصالح الناس التي يتطلبها الوضع التاريخي وبين البقاء داخل المنظومة بكل الفئات بما في ذلك الحلفاء، السائرين جميعا دون كوابح نحو مزبلة التاريخ...

في مقالة جديرة للقراءة بقلم العلامة السيد جعفر محمد حسين فضل الله، يجري الحديث والمقارنة بين السيئة الكبرى، والسيئة الأصغر في تبرير الأمور...

هذا ما رأيناه مع الثورة الإيرانية التي تحدثت يوما عن الشياطين غربا وشرقا، قبل تحديد الشيطان الأكبر في الولايات المتحدة الأميركية...

هل يصح هذا القول...؟

هناك خوف كبير من المجازفة في قبول هذا المنطق رغم صحته بشكل عام...

لكن التجربة اللبنانية علمتنا أن الشياطين الصغيرة تلك المتمثلة بكل أطراف المنظومة مولاة ومعارضة ومجتمع مدني... كل هؤلاء يكونون في أحيان كثيرة أكثر سوءاً حتى من الشيطان الأكبر...

الشيطان الأكبر يشجع على الفتنة المذهبية ويشجع على الغباء والجاهلية في كل الشوارع... لكنه حتى الآن، لم يقم هو بارتكاب هذه الفاحشة مباشرة...

بينما شياطين الوطن من المنظومة بكل أطرافها ارتكبت من الفحشاء والعهر السياسي والاجتماعي والمالي والاقتصادي ما يفوق كل وصف...

الذي سرق الودائع ونهب البلد ولم يدفع الضرائب...

الذي هرّب ولم يدفع الجمارك... الذي يرتكب الفتن مباشرة في الداخل ليس الشيطان الأكبر رغم سروره بعمل شياطين المنظومة...

إنها شياطين الداخل...

مرة اخرى، وللمرة الأخيرة، إما أن يباشر حزب الله العمل لبناء دولة مقاومة، واقتصاد مقاوم، ويجمع الناس حول برنامج واضح لا يعتمد الغيبيات... أو تزيد خسائره دون توقف...

حتى الآن، استطاع حزب الله الصمود... لأن العدو غير مستعد لاي تنازل والعامل الوطني والقومي والديني في صالحه...

حتى الآن، التفت الجماهير حول الحزب على شعارات ومبادئ براقة...

لكن هل يكفي هذا...؟

سوف تجري الانتخابات ورحمة بالناس يجب أن يفوز فيها حزب الله...

لكن ماذا سوف يحدث بعد أسابيع أو أشهر...؟

هل سوف يجلب الحزب المازوت والبنزين من إيران بالقوة...؟

هل سوف يفرض مصاف روسية في الزهراني وطرابلس...؟

هل سوف يقبل ببناء معامل كهرباء غصبا عن أميركا...؟

إذا لم يكن مستعد لفرض ما يجب...

إذا كان سوف يبقى على مقولة ما خلونا...

لماذا يريد الفوز...؟!!!


المصدر: موقع إضاءات الإخباري