كتب الأستاذ حليم خاتون: النكبة الفلسطينية الثالثة والرابعة وال..
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: النكبة الفلسطينية الثالثة والرابعة وال..
حليم خاتون
30 أيار 2022 , 08:19 ص


عندما يريد العربي التبرير، لا يعدم وسيلة...

تطويع المنطق دوما ممكن...

في عالم الوحوش، لم نتعلم بعد أن نكون ذوي بأس وشدة...

منذ الطفولة، ونحن نسمع مقولة الزمان والمكان المناسبين، حتى تجردت هذه المقولة من ثيابها وباتت كما المجانين، تمشي في شوارع بلاد العُرب عارية، يغض الشرفاء الطرف عن النظر إليها لتجنب نظرات العار وقلة الشرف وقلة الحشمة...

أمس، خرج أحدهم يرد على سؤال قام هو بطرحه واصفا كل ذي شرف وكرامة من أحرار العالم بالاحباط والتسرع...

بنى صاحبنا حول هؤلاء الشرفاء الذين وصل صوت نحيبهم ابواب السماء، جدرانا عالية من منطق العزاء الخائب في خيم العزاء التي انتصبت في كل بيت في القدس خاصة، في عموم فلسطين... بل في كل بيت عربي لا يزال للشرف والكرامة عنده مكان...

دون أن يدري، كان صاحبنا يلصق لكل شاب أو صبية أو حر أو حرة ممن حمل سكينا يوما للطعن، أو لكل من قام بعملية دهس... كان يلصق بهم صفة التسرع والإحباط...

ما أحوج صاحبنا إلى دروس في العزة والكرامة يتعلمها من تاريخ بدأ بكلمات من ذهب وماس وياقوت ومرجان...

كلمات كانت تردد عبارات هيهات منا الذلة، أو والله لا اعطيك إعطاء الذليل، أو مثلي، لا يبايع مثلك... إلى شعارات انتصار الدم على السيف، كما شعارات الكلمة الرافضة التي قطعت الزمان بآلاف مؤلفة من السنين حتى تثبت الحق في كل زمان ومكان...

من الصين شرقا إلى كوبا غربا، مرورا بساحات الشرف العربية من بور سعيد والسويس في مصر إلى الكرامة في الاردن الى جبل عامل والبقاع الغربي في لبنان، إلى ساحات فلسطين العطشى لدماء زكية تفوح منها رائحة الياسمين الشامي الذي بدأ شجره بالذبول لأن الماء لا يروي كرامة، ولأن الشرف لا ينبت إلا في ارض يجري في عروق أبنائها دم احمر يغلي حين لا بد أن تغلي أفئدة وقلوب...

من كل تلك البقاع المجيدة،

تحية إلى فقراء فلسطين الذين تأبى أنظمة الذل العربي على تمرير ولو سكين إليهم خوفا من غضب السيد الأميركي القذر على العروش والكراسي الباهتة...

لا والله، لا اجلد نفسي، ولا اجلد معي شعب فلسطين الذي خارج يوم أمس يقاتل باللحم الحي وحشا زرعته وتقوم بتربيته وتغذيته نفس تلك الإمبريالية الأميركية القذرة، وذلك الغرب الاستعماري اللئيم...

بل اجلد شعوبا عربية خانعة ذليلة لم تخرج إلى الشوراع منتفضة على جيف تتحكم برقاب أمة قيل يوما أنها "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة..."

ما أخذ بالقوة، لا يسترد إلا بالقوة...

الحياة وقفة عز...

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..

"البلاد إللي تاريخها ما فيه دم، بتبقى ضايعة..."

هل هي فعلا النكبة الثالثة، أم هي نكسة في تاريخ النكبات والنكسات العربية الذي بات يمتد قرونا، تزينه أحياناً انتفاضات وانتصارات فقط حين ينتفض الشرف الرفيع ويراق على جوانبه الدم...

ما حدث يوم امس كان يوما عظيما لكل فلسطيني وفلسطينية، لكل شيخ أو طفل أو شاب أو صبية خرجوا إلى شوارع عروس العروبة المغتصبة وسط صمت قبور إخوتها واخواتها من المحيط الى الخليج...

هو يوم ذل لكل من جلس في بيته ولم يخرج إلى الشارع حاملا حجرا يكسر به نافذة سفارة أميركية...

هو يوم ذل لكل شاشة تدعي العروبة والإنسانية ولم تدع إلى كرامة لا يصون عرضها إلا طبول الحرب...

هو يوم ذل لكل من توجد قاعدة أميركية في جواره ولم يقم بقصفها ولو بصاروخ...

هو يوم عار لكل من يلفظ الشهادتين ولم يتحرك يوم امس..

هو يوم عار لكل من يحمل صليبا ولم يحمل صليب الفلسطينيين يوم أمس...

هو يوم عار لكل من لم يطلق ولو صاروخا شاردا على آبار الغاز في بحر فلسطين كي يغرق الكيان في العتمة...

أما الباصات الاليكترونية، والدبابات والمدفعية وغيرها من الاسلحة الحديثة... فهذا كلام الجبناء في زمن باتت فيه صرخات واقدساه تخترق الزمان، علها تصل إلى ذلك المعتصم الذي لبى النداء يوما لأن آذان وقلوب ملوك العرب وشيوخها وأولي الأمر فيهم هذه الايام قد وقعت عليها لعنات الرب فما عادت تسمع ولا ترى ولا تشعر ولا تحس...

هل تجيب الجيف النتنة إذا ما نادت الحرية والكرامة...

غزة... آه يا غزة...

عظيمة كنت يوم سيف القدس...

فارسا كنت، يوم غاب الفرسان...

ماذا تراه منعك عن رؤية أهل القدس وأهل اللد يوم امس..

غزة يا غزة... لم يفت الأوان...

زمن حياة الاحرار لا يقاس بعدد الأيام...

زمن حياة الاحرار يقاس فقط بالحرية والشرف والكرامة...

احرصي يا غزة أن لا تتكرر ايام الذل الذي عاشته الأمة يوم مسيرة اعلام الاستيطان والاستكبار العالمي، ويوم المهانة الوطنية والقومية...

حتى الله في عرشه الاعلى، قد دمعت عيناه وهو يرى من نفخ فيهم الحياة يوما، وقد اضحوا امواتا تتحرك على غير هدى...

إنا لله وانا إليه راجعون... والعاقبة للمؤمنين المتقين الذين إذا إصابتهم مصيبة قالوا حي على الجهاد... حي على الجهاد... والله أكبر،

إن ينصركم الله فلا غالب لكم...

حليم خاتون