الشعب مصدر السلطات...
المجلس سيد نفسه...
كلمات رنانة قد لا تعني شيئاً...
لا مجلس النواب سيد لنفسه، ولا كلمة شعب تحمل نفس المعنى ونفس التوصيف في كل البلدان...
لبنان حالة خاصة جداً تحتاج إلى غرفة العناية الفائقة في مستشفى للأمراض العقلية...
اللبناني يحوي من شياطين الأرض ما قد لا يخطر على البال...
لا اللبناني المسيحي مسيحي فعلا، ولا اللبناني المسلم مسلم في واقع الأمر...
المحبة التي تسكن الانجيل لا مكان لها في قلوب الكثيرين من المسيحيين، كذلك هي الرحمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... يختصرها المسلمون في لبنان بطقوس لا تعني الشيء الكثير في ميزان الإنسانية....
حتى العلمانيون في لبنان، هم صنف آخر من البشر...
لو كان الياس الزغبي، ابو طارق، حيا فقط ربما استطاع إقناعي كما فعل ايام الحرب حين صدقت أن لبنانيا زائداً لبناني آخر يساوي اثنين من اللبنانيين...
ما الذي يجمع ابن أي منطقة في لبنان مع ابن أي منطقة أخرى؟
كذب ونفاق لا حدود له...
لا لبنان الاخضر أخضر بالفعل، ولا لبنان التآخي والحب هو فعلا كذلك عند كثير من اللبنانيين...
حتى الكثير من الرهبان والشيوخ هم أسوأ بسنين ضوئية عندما يسمعون اسما أو لهجة "غريبة" عن المنطقة...
جبران باسيل يريد رئيسا للجمهورية عنده "حيثية شعبية"؛
"حيثية شعبية" في لبنان لا دخل لمنطق كلمة شعب بها...
"حيثية شعبية" في منطق جبران باسيل تعني أن عنده قطيعا من الغنم الطائفيين الانعزاليين الذين ينطلقون من الذات ولا يتعدون هذه الذات...
جبران باسيل العلماني "جدا"، يريد المسيحي القوي الذي لا يمكن أن يكون سوى جبران باسيل نفسه...
لو كان الشعب اللبناني شعبا واحداً وليس قبائل طائفية ومناطقية لكان لكلمة الحيثية معنى آخر تماماً، ولكان جبران باسيل وسمير جعجع وميشال معوض والاكثرية الساحقة من النواب والوزراء والرؤساء والزعماء في هذا البلد ابعد ما يكون عن هذه الصفة...
قبل حوالي ثلاثة عقود، كاد قلبي يتوقف عندما اخترقت السيارة الخط الفاصل بين بيروت الغربية وبيروت الشرقية...
كنت عدت في زيارة إلى لبنان بعد غربة سنين طويلة في الدراسة ثم العمل في الخارج...
تركت لبنان يوم كان اللبنانيون يفعلون ببعضهم ما تفعله داعش أو النصرة بالناس...
حتى الحيوانات، ما كانت لتفعل تلك الأفعال الشنيعة...
لم يكن لبنان الحرب الأهلية غابة...
في الغابات توجد قوانين للطبيعة... لكل غابة قوانينها...
غابات أوروبا هي للنزهة وراحة البال والهروب من ضغط الحياة والمدينة...
في لبنان الحرب الأهلية، لم يكن هناك قوانين على الإطلاق...
حواجز الذبح على الهوية، مناطق الذبح على اللهجة...
كان معروف يقود السيارة مندفعا إلى الأمام باتجاه الشرقية، بينما جسدي الاعلى يندفع إلى الخلف، وقدمي تحاول الدوس على مكابح توقف هذا الاندفاع...
ضحك معروف، وسخر مني...
قال لي أن لبنان عاد بلدا واحداً...
لكني جلست تلك الليلة في أحد مقاهي الشرقية رغما عني...
لم استطع الجلوس بهدوء أكثر...
كانت اهوال ما ارتكبته أيدي اللبنانيين بعضهم ببعض لا تزال تحتل كل زاوية من زوايا العقل عندي...
بعد عدة أيام من الترويض، فك معروف عقدتي، وأصبحت كما بقية ما يسمى شعب لبنان العظيم أخرج إلى كل المناطق دون أن أفقد ذلك الخوف الساكن في داخلي من الآخر، من أي آخر، من كل آخر...
في مجتمع الحمير، الديمقراطية تستوجب حمارا على رأس هذا المجتمع...
في مجتمع اتحاد طوائف الحمير، مطلوب حمار من نوع خاص...
جميل السيد يريد ديكتاتورا يحكم البلد ثلاثة أيام كي يعدم الفاسدين أو يقطع رؤوسهم...
جميل السيد يقصد طبعا كبار الفاسدين، لأن شعب لبنان العظيم، أكثر من تسعين في المئة منه فاسد برتبة جنرال...
بعد سقوط نظرية المسيحي القوي، وبعد موت نظرية السني القوي، لم يبقى عندنا إلا الشيعي القوي الذي يصر على الحفاظ على لبنان القديم، والدرزي القوي الذي يمثل هذا اللبنان القديم...
كما أن مرشح جبران باسيل لرئاسة الجمهورية هو فقط جبران باسيل النرجسي الذي لم يرحم حتى ميشال عون في سياسة النرجسية المطلقة...
كذلك سمير جعجع الذي يرفض التوافق، لأنه أكثر شخصية مناقضة للتوافق ولقيامة لبنان الواحد...
سمير جعجع الذي قتل من المسلمين ومن الدروز ومن المسيحيين ما لا يتفوق عليه في هذا القتل إلا ابو محمد الجولاني أو ابو بكر البغدادي...
لم يخرج سمير حعحع من السجن تحت الارض ناسكا متعبدا، بل شيطان يعيد جمع شياطين الأرض في سريالية لا يمكن أن توجد إلا في لبنان الجنون...
نبيه بري يريد رئيساً عاقلاً من المنظومة، يحافظ على المنظومة وينتقل بها إلى شاطئ الأمان...
نبيه بري يريد الحفاظ على هذا النظام لأن ليس عنده تصور لنظام آخر يمكن أن يركب في هذا البلد...
لذلك يريد نبيه بري واحداً من اثنين... سليمان فرنجية ابن هذا النظام، وابن هذه المنظومة، أو الجنرال جوزيف عون الذي يستطيع وحده المحافظة على هذا النظام إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا...
بعض الاصلاحيين في البلد يريدون جوزيف عون وفي بالهم تجربة فؤاد شهاب، والبعض الآخر يخاف من جوزيف عون وفي بالهم تجربة اسوأ رئيس للجمهورية في تاريخ لبنان بعد الاستقلال، ميشال سليمان...
حزب الله يريد رئيسا للجمهورية يحافظ على الستاتيكو بانتظار أن يعرف حزب الله نفسه ماذا يريد من لبنان لأجل لبنان...
لذلك يفتش حزب الله عن التوافق...
التوافق، من وجهة نظر حزب الله، هو الجلوس في غرفة الانتظار إلى أن تنجلي أمور لن تنجلي أبدا طالما في البلد أحزاب وتنظيمات تقوم على الطائفية والقبلية والعشائرية والفساد والسرقة باسم الدين والفضيلة والقيم العلية...
في بلد الفسيفساء، لا يرى حزب الله حلا معقولا غير تثبيت كل الاحجار كما هي كي لا يسقط حجر واحد وتفقد اللوحة معناها...
الثوريون في لبنان يريدون ثورة تدمر هذا النظام وهذا الستاتيكو على رؤوس الجميع، لكنهم لا يملكون تصورا للبديل... المهم، تدمير كل شيء رغم عدم وجود
"حزب، وجريدة حزب"، لمشروع الثورة والتغيير...
دائما وفق (الجعدنجي) رؤوف في مسرحية نزل السرور لزياد الرحباني...
حتى الفساد في نظر حزب الله هو افضل من المستقبل المجهول...
يخالفهم الثوريون في هذا الرأي..
ينظر الثوريون إلى التجارب التاريخية حيث انتهت الثورات إلى بناء مجتمعات متقدمة حتى لو سالت الدماء، وقطعت الرؤوس كما في الثورة الفرنسية...
العدو الخارجي لم يخف الثورة الفرنسية رغم أن بروسيا كانت تنتظر اللحظة المناسبة للإنقضاض على باريس...
لكن حزب الله لا يرى إمكانية شبه بين بروسيا واسرائيل...
الأولى كانت دولة طبيعية جارة لفرنسا... أما إسرائيل، فهي وحش مفترس لا يرحم... في إسرائيل لا يوجد ألا مكان واحد لغير اليهود، العبودية...
في الحرب كنا فئة صغيرة من اللبنانيين... (الياس الزغبي، ابو طارق)... (انطوان ... ، تشي)...
(علي ...، حازم)، (ظافر الخطيب، وسام)... فئة صغيرة حالمة بلبنان جديد فوق الطوائف...
لكني حين عدت إلى لبنان، لم اشتري أرضا في صوفر أو في برمانا، ولا اشتريت شقة مقابل حرش بيروت... حاولت الهروب الى المناطق العلمانية في الحمرا أو رأس بيروت...
حتى في تلك المناطق، كان التخلف الطائفي قد غزا البيوت...
لأن الشعوب اللبنانية لا تزال قبائل...
لأن الطائفية لا تزال القانون السائد...
لأن الفساد لا يزال "شطارة"...
لأن أكثر من تسعين في المئة من شعب لبنان، فاسدون بالطبع والتطبع...
ماذا يريد اللبنانيون القلائل العقلاء في هذا البلد...؟
يريدون بكل بساطة، رئيسا عاقلا هادئا مسالما قديسا حتى لو كان دون قداسة... لأن رجال الدين ورجال الدنيا لم يتركوا للقداسة مكان...
أريد غدا رئيس حكومة لا يكون لصا ولا فاسدا، اريد رئيس حكومة للبنان، وليس دجالا يركب طائفة، ينهب ويسرق ويرتكب الموبقات باسم هذه الطائفة...
أريد مجلسا من اسياد وليس من رجال العصابات أو العملاء أو صبيان السفارات...
أريد رئيس مجلس لا يذهب إلى السوق ليبيع أو يشتري...
أريد أن أتكلم بلهجة جنوبية أو بقاعية أو شمالية أو جبلية أو بيروتية في كل بقعة من لبنان دون خوف...
أريد أن أزور دون خوف بيت جوزيف معلوف في الجبل أو بيار عنيد على الحدود مع فلسطين أو زياد في طريق الجديدة أو دريد في الجبل أو رمزي في قضاء صور....
هل ممنوع علي ان احلم...
هل أستطيع أخذ أولادي ليتعرفوا على بلدهم لبنان كما يعرفون الآن المانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا...
لهذا من حقي أن ارشح لرئاسة الجمهورية الياس الزغبي ابن الكحالة العلماني القومي العربي الماركسي الذي استشهد في الحرب "بنيران صديقة" من أجل لبنان فعلا وليس من اجل طائفة أو دين أو حارة أو عشيرة أو قبيلة من الهمج المننتشرين في طول البلاد وعرضها...
دعوني احلم اني اعيش في وطن...
حليم خاتون