قد يلتقي المرء مع كثير من النقد الذي يتناول فيه الكاتب جان عزيز حزب الله، خصوصاً فيما يخص حراك ١٧ تشرين، وتعامل الحزب مع منظومة الطبقة الحاكمة...
من المؤكد أن الكثيرين من الحالمين ببناء الدولة العلمانية في لبنان يلتقون في كل النقد الذي يوجهه جان عزيز للتيار العوني الذي ما أن دخل السوق حتى أخذ يبيع ويشتري، ليس لحساب الطائفة فقط، بل، أيضا وبوقاحة منقطعة النظير، لحسابات شخصية تصل إلى حد ارتكاب الخيانة العظمى...
كما العادة، تستجدي قناة الجديد إدانة كل من يظهر على شاشتها لما تتعرض له هذه القناة بعد السكيتش السخيف الذي قدمته إعلامية غير قديرة مع كراكوز أراد الله أن تكون امرأة... وأكثر هؤلاء تلذذا بسماع نقد يُوجه إلى حزب الله، هي جوزفين ديب لأسباب قد تظهر يوما ما عبر ميدالية من السفارة الأميركية كما حصل مع رياض قبيسي...
نعم، التعرض للكلمة بالرصاص أمر غير مقبول...
نعم، التعرض لحرية التعبير أمر مرفوض إلى أبعد ما يمكن أن يكون عليه الرفض...
لكن... ليسمح لنا الكاتب...، كلمة لكن هنا موجبة الحضور، أعجب هذا الأمر الاعلامي جان عزيز أم لم يعجبه...
مشكلتنا في لبنان؛
مشكلتنا في هذه الأمة الممتدة من المحيط الى الخليج، هي بالضبط في عدم استعمال هذه الكلمات...
دائما، رأينا هو الحقيقة المطلقة...
دائما، ما نقوله هو وحده الحق المطلق...
يذكرني موقف الكاتب جان عزيز في هذا الموقف بأحد المناضلين الفلسطينيين الذين كانوا تلقوا العلم في أميركا وقد سقط اسمه من ذاكرتي رغم قراءتي لأحد كتبه الممتعة التي تحدث فيها عن تجربة مناضل فلسطيني في عقر دار الإمبريالية...
أشار الكاتب في هذا الكتاب إلى ملاحظة وجهتها له صديقته الأميركية في أحد المرات سائلة: ألا يوجد في اللغة العربية كلمة (maybe, perhaps) بما معناه، ممكن أو قد يكون أو من المحتمل...
أجابها صديقنا بالإيجاب، هذه الكلمات موجودة فعلاً في اللغة العربية...
"إذاََ، لماذا لا تتعلم استعمالها ولماذا تنطلق دوما من فرضية امتلاك الحقيقة المطلقة؟" أجابت الصديقة الأميركية..
عفوا أستاذنا، في قضية ما حصل على تلفزيون الجديد هناك موقفان يستوجبان الإدانة...
موقف قناة الجديد التي وصلت بها السفالة إلى أقصى الانحطاط في عدائها المدفوع الثمن ضد المقاومة التي يمثلها في لبنان حزب الله...
وموقف الثنائي الشيعي الذي يلجأ إلى نفس اسلوب الدفع باتجاه الشيطنة لتغطية عجز عند البعض وخيانة عند البعض الآخر...
تماما كما حصل مع الدكتور شربل نحاس الذي تمت شيطنته إلى أبعد الحدود حتى وصل الأمر إلى رفض الاستعانة بمقولاته ونظرياته الاقتصادية فيما يخص الوضع في لبنان...
لا أحد ينكر أن ما تفوه به يومها الدكتور شربل نحاس كان أقرب إلى الخطيئة، حين جعل من زمرة من الخونة مثلاً عن أبناء الجنوب الذين يصل عداؤهم لاسرائيل حدود المطلق... لكن هذا يجب أن لا يعني شيطنة الرجل إلى تلك الدرجة كما فعل الثنائي...
صحيح أن الرجل أخطأ حين تبنى مفاهيم غبية دفينة في وعي بعض الانتلجنتسيا المسيحية في لبنان... لكن تاريخ الرجل قد يسمح بتوجيه نقد لاذع له وتوبيخ قد يصل السماء... لكن يجب الاعتراف بأن الدكتور شربل نحاس لم يهادن منظومة الحكم يوماً وان خوف الأميركيين منه جعل جماعة التغيير الوهمي الذين وصلوا إلى الندوة البرلمانية يرفضون التعاون معه...
.
لقد كان واضحاً جداً أن ما يقلق الثنائي هو نقد الدكتور شربل لهما ولمنظومة الحكم...
بكل أسف، أعطاهم الدكتور شربل نحاس السيف الذي به أرادوا قطع رأسه...
نفس الأمر يحصل الآن...
قناة الجديد تريد إخفاء نذالتها عبر لعب دور الضحية...
والثنائي يريد عبر هذا الرد الذي لا يهدأ؛ يريد التغطية على دوره في الدفاع عن منظومة الطبقة الحاكمة التي نهبت أموال الناس...
قد يقول حزب الله ما يريد...
لكن الحقيقة أصبحت واضحة...
حزب الله لا يكتفي بالدفاع عن المنظومة التابعة للإمبريالية، بل ظهر بوضوح أنه غير مستعد للذهاب إلى حيث يجب في التصدي لهذه الإمبريالية وأزلامها في لبنان...
يضعون المسؤولية على الأميركيين في الحصار، لكن لا يقومون بما يجب لأجل مواجهة هذا الحصار...
يضعون اللوم على فؤاد السنيورة أو نجيب ميقاتي... وحزب الله هو من عمل ويعمل على تعويمهما وتعويم اشباههما عبر قبولهما في الحكم والانضمام إلى تلك الحكومات...
لا أحد يتهم حزب الله بالتخلي عن قضايا الشعب وقضايا الأمة...
لكن فقط الاعمى هو من لا يرى مدى تخبط حزب الله في مستنقع العجز عن الارتقاء بالنضال إلى آفاق أعلى وأوسع...
السكوت عن هذا العجز وعدم مواجهته وتحليل جذوره الطبقية التي ميزت كل الأحزاب البرجوازية الصغيرة التي بدأت نضالاتها في أعلى قمم الوطنية ثم أفرزت لنا عبد الحليم خدام ومحمود عباس... و"فهمكم كفاية"!!
حليم خاتون