الأمور تزداد تَأَزُماً وإنحدارا، والِانقسام الشيعي المسيحي أصبَحَ حاداً وعامودياً وخطِراً، بِاستثناء خيطٍ رفيع مربوطٍ بحزب الله حصراً، أبقىَ عليه مؤسسُ التيار الوطني الحُر ميشال عون، الذي استنجَدَ بدمشق التي زارها بالأمس، وعآدَ منها"بخُفَي حُنَين"،حيث رفض الرئيس الأسدُ الغوصَ في الملف اللبناني بعُمق، وكانَ الحديث سطحياً بِامتياز،
فحول الرئاسة أبلغَ الرئيس الأسد عَونَ: أنَّ المخرج الوحيد للأزمة اللبنانية يكون بالحديث المباشر مع السيد حسن نصرالله، وأنه وضع ملف بلاده أولويةً بالنسبة له، ولن يتدخل بالشأن اللبناني بتاتاً،
في الوقت الذي تقوم بهِ ما يُسَمَّىَ بالقِوَىَ السيادية بتجميع نفسها، لخوض معركة إسقاط ورقةفرنجية من لائحة الترشيحات، عبر حرقهابترشيح جهاد أزعور،
وكأنّ ما يحصل اليومَ يعودُ بنا في الذاكرَة إلى شهرآذار عام 2005، عندما عقدت قوَىَ 14 آذار مؤتمرها الأول في فندق البريستول، وكانوا حينها يضمون بين صفوفهم، لأول مَرَّة، قطاعات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فكُنا نَجِد بينهم شيوعيين واشتراكيين، إلى جانب إنعزاليي "القوات اللبنانية" والأحرار، والتيار الوطني الحر، كما كان بينهم نوابٌ سُنـّة، كمصباح الأحدب وغيره، في مركبٍ واحد يرفع علم أميركا.
أيضاً ضَمَّ مؤتمر البريستول سياسيين "موسميين"، كجنبلاط البارع في التقاط التحولات الإقليمية والدولية، وهو عبقري في معرفة متى وأين يجب أن تُـؤكل كتف التوازنات الجديدة.
من هنا دارت تساؤلات كثيرة حول موقف هذا الرجل اليوم من الِاستحقاق الرئاسيّ، وبالتحديد إلى أي جهة سيُهدي أصوات كتلتِه؟ خصوصاً وأنه جاهرَ برفضهِ انتخاب فرنجية،مُرَشَح نبيه بري حصراً، وهُمآ الِاثنان الحليفان الأقوَىَ لهُ.
يهمس البعض في صالونات السياسة الخاصة: هل من المعقول أنه اِتفقَ أي "وليد جنبلاط" مع الرئيس "نبيه بِرِّي" على موقفه الحالي الذي يتَّخِذُه وهل سيُفَجِّرُ جنبلاط، بالِاتِّفاق مع بري، قنبلةً أثناء التصويت لصالح فرنجية، ويفاجئُ 14 آذار، ويقلبُ الطاولة، أَم أنه تَمَرَّدَ فعلياً عليه في أواخر أيامِهِ السياسية، وسيذهب إلى خيار انتخاب جهاد أزعور للهروب من العقوبات الأمريكية والملاحقات الأوروبية، على مقولَة اللَّهُمَّ نفسي؟.
◦ أيضاً هناك احتمال ثالث أن يكون جنبلاط اِستقالَ من رئاسة الحزب الِاشتراكيّ، ودعا لمؤتمر عام، ِلانتخاب رئيس له، في 25/6، هروباً إلى الأمام من الحَرَج الذي يشكلهُ له هذا الِاستحق اقُو وقَد يُصَوِت في الورقة البيضاء او يمتنع عن التصويت؟
بكل الأحوال حال الغموض القاتمة التي تُخَيِّم على الملف الرئاسي لدىَ جميع الأطراف تخفي نوايا مُبَيَّته من كل طرف تجاه الآخر وأن مفاجآت كبيرة ستحصل، وحتى يحين موعد جلاء الضباب سيكون للفوضى كلمتها؛ وارتفاعُ سعر صرف الدولار فضاؤهُ مفتوح، وستكون البلادُ أمام عدَّةِ اِحتمالاتٍ مفتوحةٍ أحلاها مُرّ، إن لَم يتدارك المسؤولون اللبنانيون مخاطر المرحلة ودقّتها،وإلا فنحنُ ذاهبون نحو خضَّةٍ داخليةٍ غيرِ محمودةِ العواقب، لن يخرج منها لبنانيٌّ منتصِرا، ولو انتصر على الأرض، وستترك آثارها السلبيةَ لعقودٍطويلة،وهذاما تريده أمريكا للبنان، في ظل تقارب عربي إيراني وعربي سوري.
اللبنانيون قد يكتشفون قريباً، أن واشنطن لا تريد في الواقع أن يكون لبنانهم نموذجاً للسيادة والديمقراطية، كما يَدَّعون، بل يريدونهُ حلَبةَ ملاكمةٍ لتصفيةِ حساباتٍ مع سورية والمقاومة.
العديد من هذه الحسابات موضوع في خدمة الأمن الاستراتيجي الصهيوني؛لذلك علينا أن نَعيَ جيداً، أن مصلحتنا تكون بتفاهمنا وليسَ بانقسامنا وتحدي بعضنا، أو التغاضي عن هواجس بعضنا البعض.
.. السياديون يأخذون لبنان إلى الهاوية.
بيروت