كتب الأساذ حليم خاتون
هل كان أدولف هتلر يمارس حرية التعبير عندما أعلن أن الجنس الآري هو افضل أجناس البشر؟
هل يمارس الصهاينة حرية التعبير حين يعلنون أنفسهم شعب الله المختار، وافضل من غيرهم من الشعوب؟
هل مارست طالبان حرية التعبير حين أحرقت تمثال بوذا الذي عاش قروناً في أفغانستان، وكان يمثل فترة من التطور الحضاري لهذا البلد؟
يقال إن الرئيس جمال عبد الناصر كان معتادا على سماع أغنيات المطربة أم كلثوم ليلة كل جمعة من إذاعة القاهرة لكنه فوجئ ذات ليلة بعد الثورة، أن اغنية ام كلثوم لم تبث...
استفسر عن ذلك ليفاجأ بأن أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة أمر بمنع بث أغاني أم كلثوم رغم أن هذه المطربة كانت تعيش في كل بيوت مصر وفي وجدان أكثرية الشعب المصري...
ارسل عبد الناصر في طلب رفيق السلاح عضو مجلس قيادة الثورة وسأله السبب في ذلك المنع...
صُدم الرئيس حين سمع التبرير المتخلف بأن ام كلثوم تمثل الرجعية لأنها من ثقافة الحقبة الملكية التي قامت الثورة على أنقاضها...
لم يصرخ جمال عبد الناصر...
لم يغضب...
لكنه سأل رفيقه عن رأيه في هدم أهرامات مصر لأنها تمثل أيضا الرجعية من الحقبة الفرعونية، وهي مجرد قبور نافرة...
طبعا، فهم صاحبنا مدى السذاجة التي تعامل بها مع إرث مصر الثقافي والحضاري، وعاد صوت ام كلثوم يطرب من به سمع...
أنها القصة ذاتها مع هذا العالم المجنون...
أحرق هولاكو مكتبة بغداد، فلعنته الحضارة البشرية...
أحرق احمد باشا مكتبات لبنان وفلسطين وقتل الناس،
فلعنته الحضارة واصبغت عليه لقب احمد باشا الجزار...
أحرق أدولف هتلر مكتبات ألمانيا، فعرفت البشرية أن هذا المجنون في طريقه إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية...
كيف كان العالم ليتعامل مع من يحرق إلياذة هوميروس، أو كتب سقراط وارسطو وافلاطون؟
ماذا لو قام معتوه ما بإحراق كتب وليام شكسبير وغيره من أدباء وشعراء انكلترة؟
ماذا كان ليكون موقف الإنكليز؟
ماذا لو قام معتوه ما بإحراق كتب الفلسفة الكلاسيكية الألمانية التي حملت إلى البشرية عصارة فكر القرون الأربعة الأخيرة من حياة البشرية؟
كيف كان ليشعر الألمان الذين رغم انتماء المانيا إلى العالم الرأسمالي، إلا أن تمثال كارل ماركس لا يزال يزين وسط ساحة المدينة التي ولد فيها، ولا تزال الوردة الحمراء شعار كل الأحزاب الاشتراكية في العالم نسبة إلى المفكرة الثائرة روزا لوكسمبورغ...
كم كان العالم ليخسر لو قام مجنون ما بإحراق كتب الشعر والادب والفلسفة الفرنسية أو الروسية أو اي قومية أخرى...
بعيداً عن الإيمان من عدمه، أليس القرآن أعظم الكتب وأكثرها قراءة؟
لننظر الى هذا الكتاب فقط على انه كتاب مكتوب وليس كتابا منزلاً...
حتى الملحدين لا يستطيعون سوى الوقوف مبهورين أمام هذا الكتاب العظيم الذي استطاع بعد ألف وخمسمائة عام أن يصبح الكتاب الاول عند أكثر من مليارين من البشر...
قد لا يؤمن أحدهم بمحمد...
لنفترض أن محمدا لم يكن رسولا، ولا نبيا، ولم يأته الوحي...
لنفترض أن محمدا كان مجرد كاتب كتب القرآن خلال عقدين من الزمن...
ألا يستحق هذا الرجل لقب الكاتب الاعظم في التاريخ البشري؟
هل قرأ أولئك المتخلفون القرآن ورأوا جمال اللغة، وجمال الخط، وجمال المعنى، وجمال اللفظ...
دعونا لا نتحدث عن الاعجاز في القرآن...
لكن ألا يجد المؤرخون من قصص غابر الأزمان ما يستوجب الوقوف والتمحيص والدراسة؟
ألا يعطي القرآن صورة حية عن التطور البشري في سور وآيات تروي ما قبل التاريخ وما بعده؟
حتى الملحد لا يستطيع إلا أن يدين هذا المجرم ضد الإنسانية الذي يريد طمس أحد أهم ظواهر الحياة...
لو عومل القرآن فقط كعمل ادبي لغوي تاريخي لوجب وضعه في كل بيت وفي كل مكتبة...
لولا الخوف من تقليل القيمة، لوجب أن تعلن اليونسكو القرآن أحد أهم معالم التراث العالمي الذي يتوجب على البشر حمايته...
قد يقول قائل إن هذا الذي يحرق القرآن ليس إلا مخبولا مجنونا مختلا عقلياً...
لكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً...
إحراق القرآن هو سياسة مبرمجة تقوم عليها أسس الاستعمار الجديد الذي يريد بناء جدران بين هذا الدين الفتي رغم تجاوزه الخمسة عشر قرناً، وبين العالم الجديد الذي يتوسع وتتوسع مداركه...
إحراق القرآن هو سياسة تقوم على جريمة نشر الكراهية بحق ربع سكان هذا الكوكب...
إحراق القرآن هو الخطوة الأخيرة ما قبل الهولوكوست الذي ينوي الغرب ارتكابه بحق اهم تجمع بشري في العالم الثالث...
من لا يفهم، عليه اليوم أن يعي...
إحراق القرآن هو إعلان حرب على ملياري مسلم صار من الواجب عليهم أن يتحدوا ويردوا على هذا الغرب المارق الكاذب الذي يحاربنا ليس فقط بلقمة العيش، بل بإرثنا الحضاري الذي تختزله تلك النسخة التي عبر حرقها يراد إحراق كل ما تختزنه شعوبنا من ثقافة وحضارة وإنسانية...
لذلك، لا يمكن التعامل مع هذا العمل إلا بصفته جريمة كراهية ضد المسلمين...
لا يمكن وصف هذا العمل إلا بما يختزنه هذا العمل:
ببساطة، هي جريمة موصوفة ضد الإنسانية تتجاوز كل ما سبقها من جرائم، وتهدد حياة البشرية على هذا الكوكب...
حليم خاتون