‏كتب الاستاذ سامح عسكر: بالنسبة لتوفيق عكاشة فهذا المقال موجه لمن يملك أدنى عقل
مقالات
‏كتب الاستاذ سامح عسكر: بالنسبة لتوفيق عكاشة فهذا المقال موجه لمن يملك أدنى عقل
سامح عسكر
27 آب 2023 , 21:45 م

‏كتب الاستاذ سامح عسكر: 

وليس الغرض منه إساءة أو انتقاص بل نقد وتحليل لظاهرة "توفيق عكاشة" لكي نقف على الحد الأدنى منها لمعرفة تفاصيلها وكيف نَمَت وتطورت بهذا الشكل:

بداية : يوجد ما يسمى (القارئ ضعيف الشخصية) يعني واحد بيفتح كتاب يقراه بمشاعره وميوله المسبقة، فيتبنى كل تفاصيل هذا الكتاب أو المقال حتى (تنبؤاته وتوقعاته) ويربطها بميوله السياسية في تأييد وحب زعماء سياسيين حققوا هذه التوقعات من قبل ، ومن ثم تتحول هذه التنبؤات من تحليل نصي إلى توقع علمي..

القارئ ضعيف الشخصية لن ينقل أو يتبنى (أدلة) الكاتب في توقعاته لأنه إما لا يفهمها أو غير مهتم بدورها في سير الحوادث، فالأهم هو استخلاص النتيجة، ويمكن القول أن الأمم المتخلفة يشيع بينها هذا النوع من القراءة فتكثر من التوقعات دون عرض الأدلة أو النظريات والفرضيات التي دفعته للقول بهذا التوقع، أو اختبار هذه التنبؤات بحديث مع الرأي الآخر لكي يكشف قوة ومتانة التوقع، وهو سلوك عرفناه بالتاريخ (بالدجل والشعوذة أو الكهانة والعرافة)

ولمن يقول كيف هو قارئ ضعيف الشخصية وهو يظهر بكاريزما وشخصية؟..قلت: القراءة عمل سري تكون فيه العلاقة بين الكاتب والقارئ روحية وعقلية منبعها الضمير، وهذه أسرار لا يمكن الاطلاع عليها، لكن يمكن رؤية بعض شواهدها، فكثير ممن ظهروا بكاريزما وقبول من زعماء السياسة (هتلر وصدام حسين مثلا) كانوا ضعاف الشخصية أمام كتاب كبار قرأوا لهم (كالفيلسوف نيتشة وهيدجر الألمانيين) و (ساطع الحصري في العراق) لأن ما فعله هتلر وصدام كان نسخة تطبيقية عملية من أفكار هؤلاء ولو بشكل أكثر غباءا..

توفيق عكاشة من هذا النوع: فهو لا يقدم مع توقعاته أي أدلة أو فرضيات ونظريات علمية تدعم تلك التوقعات، هو ينقلها لك copy paste زي ما قراها، ولأنه بينقل فكثير من هذه التوقعات تصدق وكثير منها تكذب وتخيب، فيقوم الإعلام بتسليط الضوء على التوقعات الصادقة فيعطيها أكبر من حجمها المعتاد، ولا يتعرض للتوقعات الكاذبة حتى لو كانت أغلبية،

وشخصيا كنت متابع برامج توفيق عكاشة وكان بيقول توقعات كثيرة أغلبها لم تحدث ، منها سقوط وتقسيم الجزائر ل 3 دول، والحرب العالمية الثالثة تقوم سنة 2017 في حديثه لرولا خرسا على قناة ltc عام 2015، وفنزويلا هتكون سبب في قيام الحرب العالمية الثالثة..وغيرها – طبعا بعد اندلاع حرب أوكرانيا الوضع اختلف - فهو ممن كانوا يُكثرون الظهور والبث بالساعات فيضطر لكي يملأ فراغ البث في الحديث عن محتوى قراءاته – دون أن يسميها – في التنبؤ بحوادث والتحذير من أزمات في المستقبل..

توفيق عكاشة مسيطر عليه ثلاثة محاور يمكن من خلالهم فهم شخصيته في التنبؤ:

أولا: مشغول بحروب آخر الزمان ونهاية العالم، فكثيرا ما يكررها لجذب شريحة كبرى من الجمهور تفاعلت مع قصص ملاحم آخر الزمان التي كان يلقيها شيوخ السلفية ومصدرها كتاب (الفتن لنعيم بن حماد) التي انتقلت لكتب الصحاح في زمن لاحق..

ثانيا: مشغول بمؤامرات الماسونية العالمية في السيطرة وحُكم العالم، دون أن يسمي من هم هؤلاء الماسون، وفي حديث سابق مع صديق قلت: لو كشف أسماء هؤلاء الماسون (زال الغموض المثير) عن القصة بالكامل، ف 99% من إثارة قصص التنبؤات في غموضها وترميز أسماءها بالشفرات التي سماها القدماء (بالجفور والزايرجات) وكانت لهم علما خاصا يحتكره العرّافين بالقرون الوسطى,..

ثالثا: يتوهم مجلس حكم العالم من مجموعة تجلس على مائدة وتقرر ماذا سيحدث اليوم وغدا، وهذا تصور سطحي، لأنه لا يوجد في الواقع هذا المجلس سوى في قاعات مجلس الأمن أو اجتماع القيادات العليا لحلف الناتو ومخابراتهم ، وتأثير هؤلاء على مجريات الأحداث موجود لكنه لا يسيطر عليها 100% والدليل حروب (سوريا والعراق وأفغانستان وجورجيا وأوكرانيا) لم تكن نتيجتها لصالح حلف الناتو والولايات المتحدة، أو الفئة المهيمنة على مجلس الأمن 3+2 التي تضم الأعضاء الخمسة الدائمين ثلاثة منهم في الغرب وحلف الناتو..

من خلال تلك المحاور يظهر توفيق عكاشة بتنبؤاته، فأي حرب تحدث وستحدث هي من علامات الساعة وآخر الزمان، وهي مقصودة من مجلس حُكم العالم وقد خطط لها مجلس مجتمع الماسون الأكبر ، فالأصل أن لديه صورة ذهنية خيالية عن السياسة عندما يقرأ مقالا أو كتابا يعزز لديه من تلك الصورة أو يثبت بعض جوانبها يخرج بتوقعاته، التي قلنا بأنه لا ينقل أدلة وفرضيات ونظريات قائلها ولكنه ينقل النتيجة التي تتفق مع هذه المحاور الثلاثة.

أما علميا‏ فلا يمكن التوقع بطريقة صحيحة دائما لأن هناك عدة عوامل تمنع من صدقية هذا التوقع، أذكر منها:

أولا: البشر هم أقل الكائنات الحية ارتباطا بالغريزة وتقديمها كأولوية، فظهور العقل والتجريد والتحليل أدى لخفض مساحة الغرائز التي يمكن من خلالها التنبؤ بمستقبل وسلوك الكائن، وبتعبير أوضح: يمكنك التنبؤ بمستقبل مجموعة كلاب مثلا لأنك تعلم غرائزهم وردود أفعالهم، لكن البشر لا..هذا الكائن البشري طوّر كثيرا من قدراته العقلية في ال 10 آلاف سنة الأخيرة لحد لا يمكنك فيه التوقع بردة فعله بشكل مطمئن وصائب 100%

ثانيا: البشر لأنه طوّر من قدراته العقلية أصبحت كثيرا من سلوكياته (عشوائية) فالأصل عندما كان يتصرف بشكل غريزي تلقائي كانت سلوكياته منتظمة، لكن ظهور العقل لديه وزيادة خياراته أدى لخروج قراراته بشكل عشوائي لا يمكنك تتبعها أو رصدها بانتظام، ودور المخابرات الدولية ومراكز صنع القرار يكون بتتبع هذه السلوكيات العشوائية ودراسة إمكانية التحكم فيها لتصبح منتظمة..

ثالثا: الواقع على الأرض غالبا هو من صنع الإنسان، فإذا كان البشر يتصرفون بشكل عشوائي ودور الغرائز في قراراتهم منخفض، فالواقع كذلك يسير بطريقة عشوائية غير مرتبطة بالغرائز، وبتعبير أوضح: عندما تجد قرية متطورة فيها كل الخدمات والجماليات ، وسكانها لا يعانون من البطالة والفقر فهذا عن سلوك رأى فيه النافذون مصلحة لدوام ملكهم واستقرار حكمهم،

خلافا لقرية مُدمرة لا فيها خدمات أو جماليات، ويعاني سكانها من الفقر والبطالة فاعلم أن النافذين لم يبصروا مصالحهم بشكل عملي ونظروا للمصلحة بعيون المستبد الجاهل، وأن ما فعلوه يكفي لرخاء القرية لكن الفلاحين طماعين يريدون عيشة الملوك..!

فالسؤال الحقيقي الذي يجب أن يبحث فيه المتوقع : هو (المصلحة) وطريقة رؤية الحكام لها، وبعض مراكز الدراسات تنشغل بالإجابة عن هذا السؤال للوقوف على ردة فعل الحكام والمسئولين من الأزمات، وتاريخهم في حلها، كذلك بنية السلطات سياسيا وأيدولوجيا ، عن ماذا يمثلون؟؟؟..وما هي القيمة المشتركة التي تجمعهم بالشعب؟..وهل يمكن القول بأن إيمان الشعب بالمؤسسات هو إيمان بالسلطة أم هناك فارق؟

فكلما كان الحاكم واقعيا براجماتيا يتفاعل بشكل سريع مع أزمات شعبه ويُبصرها جيدا كلما كان أكثر استجابة ..والعكس صحيح، والخطأ الذي يقع فيه معظم العرّافين والخائضين في مستقبل الأمم هو أنهم لا يدرسون الحالة الصحية والعقلية للمسئولين وردات فعلهم واستجابتهم للأزمات، وخيارات المسئول في تناوله للأزمة والبدائل المطروحة في حال عدم تمكنهم من الحل، ويتعاملون مع القصة بشعورهم وميولهم المسبقة لا غير..

عكاشة مثلا: عندما كان مؤيدا للسيسي قبل 6 سنوات حذر من أن سقوط النظام يعني دخول إسرائيل لمُلك مصر خلال عامين، وأن الإخوان يسعون بمظاهراتهم لاستعادة مُلك بني إسرائيل مصر والعراق لتحقيق دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات، لكنه الآن عندما أصبح معارضا أصبح يدعو لسقوط النظام مستعينا بتاريخه في التنبؤ الصحيح والصورة الشائعة عنه الأقرب للعرّافين وحكماء الصين، ولم يناقش مع قاله قديما: لماذا ربط رحيل السيسي عن مصر بملك إسرائيل للدولة؟..ولماذا الآن يكثر من تحذيراته للنظام بأنه سوف يسقط قريبا بالإشارة دون التطرق للخطر الذي ينتظر مصر جراء ذلك؟..وما دور الإخوان المسلمين في هذه القصة؟

ودمتم

المصدر: موقع إضاءات الإخباري