تعثر مفاوضات باريس2 .. لاءات نتنياهو وهزائمه العسكرية
مقالات
تعثر مفاوضات باريس2 .. لاءات نتنياهو وهزائمه العسكرية
ميشيل كلاغاصي
29 شباط 2024 , 16:42 م


كتب المهندس ميشيل كلاغاصي

29/2/2024

بات واضحاً أن الوقت الذي احتاجته اّلة القتل الإسرائيلية بالدعم الأمريكي الغربي لتحقيق أهداف العدوان على غزة قد انتهى بالنسبة للإسرائيليين وكذلك للأمريكيين, وبتنا اليوم نقف على أعتاب مرحلةٍ جديدة تختلف عن سابقاتها سواء لجهة الضغط على إدارة بايدن إنتخابياً , وإحتمالية توسيع نطاق الحرب إسرائيلياً على عكس ما يريده بايدن, وفشل نتنياهو وحكومته في تحقيق أهدافهما المعلنة.

وبعد تخطى العدوان يومه الـ 145, أكدت غزة بأنها لا تزال مركز الصمود والمواجهة العسكرية الثابتة والقادرة, وبأنها تشكل مركز نواة الحل للقضية الفلسطينية, وبأن المقاومة هي مركز التفاوض الصلب من أجل التوصل إلى الهدنة المؤقتة والدائمة والتسوية, بعد فشل محاولات الاتفاق السابقة, واستمرار المعارك بدون أفق وبدون تحقيق أي إنتصار أمريكي لبايدن أو إسرائيلي لنتنياهو, وسط الهزائم والضربات المؤلمة التي يتلقاها جنود وضباط العدو الإسرائيلي.

ووسط التهديدات الإسرائيلية بالإبادة الكبرى في رفح, وتصاعد المواجهات في الضفة الغربية, وسخونة الجبهات من الجنوب اللبناني إلى الجولان السوري المحتل وصولاً إلى اليمن وخليج عدن والبحر الأحمر, وعلى وقع المرافعات الدولية في محكمة العدل الدولية, وإرتباط كل ما يجري بالإنتخابات الأمريكية, وفي خطوة متوقعة عادت طاولة المفاوضات للإنتقال من القاهرة إلى باريس, وسط أجواء إعلامية تفاؤلية في الأوساط الإسرائيلية والغربية, بإحتمالية التوصل إلى بداية الإتفاق على هدنة وصفقة لتبادل الأسرى قبل حلول شهر رمضان المبارك.

ففي الوقت الذي بات فيه الوقت بايدن بحاجة إلى التفرغ للإنتخابات الرئاسية الأمريكية, وسط عدم يقينه من ترشيحه الحزبي داخل البيت الديمقراطي, تأتي استجابة نتنياهو لحضور لقاءات باريس2, لترتيب الهدنة وصفقة تبادل الأسرى, بعدما اضطر هذه المرة إلى مراجعة الكابينيت حول ارسال الوفد المفاوض الى باريس2, وتزويده بصلاحيات كاملة للتفاوض.

فالوفد الإسرائيلي في باريس2 اليوم بات يتمتع بتمثيل الكابينت وفق توازناته وبما يسمح له بالتفاوض بشكل فعلي خصوصاً بعدما أعلن أن اولويته الأولى هي استعادة الأسرى, وهذا بحد ذاته يعتبر نقطة تحول استراتيجية ونوع من حسم الصراع الداخلي حول ترتيب الأولويات, فرضتها الضغوط الأمريكية الكبيرة, لأسباب تتعلق بالحزب الديمقراطي وبترشيح بايدن.. في وقت لم يعد يستطيع فيه بايدن تجاهل التظاهرات والتأييد والدعم الدوليين لوقف إطلاق النار.

فيما يتعلق بالمفاوضات, فقد تعاملت المقاومة مع النقاط المطروحة بإيجابية وأظهرت بعض المرونة حول عدد الأسرى, وسط تمسكها بوقف إطلاق النار الدائم, وبإنسحاب قوات الإحتلال من قطاع غزة, وبسرعة إدخال المساعدات الإنسانية وزيادة حجمها, وأبدت استعدادها لإنشاء مرجعية جديدة لغزة تتكون من جميع الفصائل الفلسطينية, ولم تبدي رفضها لإنتاج سلطة مدنية غير فصائلية, وسط استقالة الحكومة الفلسطينية, لكن مالذي قدمه نتنياهو سوى قيامه بتقديم تصوره العدائي للـ "اليوم التالي للحرب".

من الواضح أنه يراوغ, ولن يقبل بالحل السياسي الذي قد يقبل به الأمريكيين في هذه المرحلة, فنتنياهو ومتطرفي حكومته لا يؤمنون سوى بالحل العسكري والقتل والتجويع والتهجير, ومع ذلك تعمّد قبول الذهاب إلى باريس2 لإرضاء أهالي الأسرى, ولإرضاء وإقناع متطرفيه بأنه رفض التفاوض مع حماس وعارض الأمريكيين, لكنه أُرغم في النهاية على قبول التسوية.

يبدو أن نتنياهو وبعد 145 يوماً للعدوان, استطاع إيجاد صيغة وازن فيها بين مطالب أهالي الأسرى ومطالب اليمين المتطرف, واعتقد أنه بذلك مهّد طريق بحثه عن النصر السياسي, وعليه قدم تصوره للـ "اليوم التالي للحرب" في ما دعي "وثيقة نتنياهو", ولخصه بتحديد هوية الجهة التي ستكون مسؤولة مدنياً عن غزة وبأنها ستكون غير مرتبطة بجهات إرهابية ولا بدول إرهابية, وبتجريد غزة من السلاح, وبحرية العمل الأمني في غزة دون قيد أو شرط زمني, وبإقامة شريط أمني على تخوم غزة (منطقة عازلة), ولم يتطرق إلى ما يبيته تجاه رفح, وما يتعلق بإغلاق محور فيلالفيا وحرية العمل الأمني الإسرائيلي فيه.

من الواضح أن نتنياهو استغل ما يقارب الـ /5/ أشهر من العدوان والمجازر لرسم خطته لإحتواء الضغوط الأمريكية ومطالب أهالي الأسرى, ومطالب أعتى المتطرفين اليمينيين وحماة حكومته من السقوط, لإقناع الأمريكيين بأنه الشخص الوحيد في "إسرائيل" الذي تستطيع إدارة بايدن التعامل معه, والقادر على ضمان التوازنات الإسرائيلية الداخلبة, وعليه, تجرأ بطرح تصوره "لليوم التالي للحرب" والحديث عن إلغاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا, رغم وضوح ما يعنيه من خطة تهجير متعمد, تحت عنوان التهجير الطوعي, وكذلك جرأته في الحديث عن السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادفيا والذي تفترض إتفاقية كامب ديفيد أن يبقى منزوع السلاح. 

من الواضح أنه يلعب أوراقه بخبث, من خلال إدراكه المخاوف الأمريكية من إتجاهه جنوباً ونحو الصدام مع المصريين, وبنصب فخاخه وألغامه وطرح مقايضة أمن مصر القومي بأمنها الإقتصادي, أو بإتجاهه شمالاً نحو حربٍ مفتوحة مع حزب الله, وفي كلا الحالتين ستأخذ الحرب طابعاً إقليمياً, وهذا لا ما يريده الأمريكيين, ويخشون بأن يتسبب بإخراجهم من منطقة الشرق الأوسط .

لكن اليوم الأول للوفد الإسرائيلي في باريس 2, كشف زيف إدعاءات نتنياهو, و"اللاءات الأربعة" التي حملها وفده, والتي لخصها القيادي في حماس "أسامة حمدان" في مؤتمره الصحفي بالأمس, بـ لا لوقف إطلاق النار, لا لإنسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة , لا لعودة النازحين الفلسطينيين نحو شمال القطاع , ولا لصفقة تبادل الأسرى.

كان إمتعاض حماس واضحاً على لسان حمدان, وكذلك إمتعاض ورفض وزارة الخارجية الفلسطينية, على مبادرات اليوم الأول في باريس, وأكد حمدان أن حكومة نتنياهو ما زالت تتبنى "موقفاً متعنتاً" تجاه مطالب حماس, ولفت إلى أن نتنياهو "يقدم أفكاراً عن غزة وهو يدرك تماماً أنها لن تنجح", فالشراسة والوقاحة الإسرائيلية, تعكس صعوبة التفاوض, وتبدد جزءاً كبيراً من التفاؤل الذي ساد بُعيد الإعلان عن إنتقال المفاوضات من القاهرة إلى باريس, وبحضور رئيس الـ CIA ورئيس الموساد ووزير الخارجية القطري .

لا يمكن التعويل على نجاح التفاوض مع نتنياهو ومتطرفيه, ولا يمكن القبول "بوثيقة" نتنياهو, الذي يحاول الهروب من حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي هو المشكلة وليست حماس وفصائل المقاومة أو أي سلطة مدنية فلسطينية ستحكم غزة مستقبلاً, وبأنه لا زال يعول على الحصار والتجويع والمجازر لإنتزاع استسلام ونصرٍ سياسي عجز عن تحقيقه في الميدان.

بالإضافة إلى التأكيدات الإسرائيلية بأن ما يجري من مفاوضات اليوم ليس لها علاقة بما يحصل على الجبهة اللبنانية, وهذا يؤكد أن لا تفاهم ولا تفاوض مع نتنياهو ومتطرفيه, وبأن لغة القوة والمقاومة هي الوحيدة التي يفهمونها, وبإستمرار الهزائم الكبيرة التي تتعرض لها قوات الاحتلال الإسرائيلي وبإعتراف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي بأن "الأثمان التي نتكبدها باهظة", واضطرار قوات الاحتلال للإنسحاب من بعض المدن والأحياء في قطاع غزة, في وقت باتت فيه الحاجة ماسة لإطلاق الدعم العربي والدولي الواضح والصريح للمقاومة لكسر الحصار الخانق, وإلى زيادة الضغوط على حكومة نتنياهو, وبوقف المساعدات والغذائية التي تصل إلى الكيان عبر أراضي بعض الدول العربية والإسلامية – بحسب أسامة حمدان, فالصمود والحصار والضغوط الدولية وخصوصاً الأمريكية منها ستزداد مع الوقت, وستتحول عجرفة نتنياهو إلى نقاط ضعف, ستجبره على وقف العدوان والتفاوض بشروط المقاومة.

م. ميشيل كلاغاصي

29/2/2024

المصدر: موقع إضاءات الإخباري