كتب الأستاذ حليم خاتون:
تاريخ هذا الشرق مليء بأسماء قادة دخلوا هذا التاريخ من أبواب عدة...
هناك قادة لعبوا في هذا التاريخ أدوارا حفظت لهم أمكنة في الذاكرة الشعبية الطويلة رغم أن المنتصر الذي كتب التاريخ لم يَفِهِمْ حقهم الكامل كما حدث مع ثورة احمد عرابي في مصر...
هناك قادة انتصروا قبل أن يتدخل الاستعمار ويفرض عليهم حدودا لأحلامهم...
هذا ما حدث مع والي مصر محمد علي باشا الذي استطاع في مدة وجيزة تأسيس جيش مصري عصري مّنظّم، مدرب جيدا مع ضباط مصريين من خريجي الأكاديمية العسكرية الفرنسية...
حلُم محمد علي في وراثة الخلافة العثمانية الضعيفة التي كان يتلاعب بها الغرب والشرق معا...
اراد إقامة خلافة في مصر تكون على مستوى تقدم الأمم في القرن التاسع عشر...
فتح محمد علي بلاد الشام سلما حين رحبت الشعوب بالفاتح الجديد؛ وصلت جيوشه إلى الخليج والسودان وقام بحصار الآستانة قبل ان يقوم حلف دولي من الإمبراطوريات الكبرى في القرن التاسع عشر ضم الى جانب السلطنة العثمانية، انكلترا، روسيا، بروسيا، والنمسا...
انتهت مغامرة محمد علي بمحاصرة المملكة المصرية الفتية، وإجبار محمد علي على الإنكفاء الى داخل مملكة مصر والسودان حيث قبل بالهزيمة، وسقط في فخ التبعية مكتفيا باعتراف تلك الامبراطوريات به ملكا على مصر والسودان هو وأولاده من بعده...
هناك قادة تحدّوا أعظم امبراطوريات عصرهم كما فعل إبن مدينة صور هنيبعل، قائد من مدينة قرطاجة على الساحل التونسي... لأول مرة في التاريخ البشري، عبر هنيبعل جبال الألب على رأس جيش جرار والتف بحركة عبقرية على جيوش الإمبراطورية الرومانية وحاصر مدينة روما نفسها، قبل أن يقوم مجموعة من كبار تجار قرطاجة ورجالاتها بعقد صلح منفرد مع روما ما لبثوا أن دفعوا ثمنه...
هرع هنببعل مسرعا الى قرطاجة ليصل بعد فوات الأوان...
انتقل مع بقية الجيش إلى مدينة صور التي خذله قادتها ولم يقبلوا مساعدته خوفا من روما...
خوفا من الخيانة وإمكانية تسليمه إلى روما، وضع هنيبعل حدا لحياته كي لا ينتهي في قفص في شوارع روما وأمام محاكمها، فيتعرض الى محاكمات وإهانات كما حصل مع صدام حسين في العراق بعد قرن ونصف من ذلك الزمن...
في خمسينيات القرن الماضي، قام جمال عبد الناصر بثورة قادها مجموعة من الضباط الأحرار في الجيش حاولوا الرد على ما حدث في فلسطين من تواطئ ملك مصر مع بقية النظام الرسمي العربي الذي تسبب بنكبة ال ٤٨...
رد عبد الناصر على الحصار الغربي لمصر في مسألة التسلح للدفاع ضد هجمات الاسرائيليين بالاتجاه شرقا لاول مرة في تاريخ البلاد بعد رفض اميركا وفرنسا وانكلترة بيعه السلاح...
تحدى جمال عبد الناصر الاستعمار في أكثر من حالة عبر تأميم قناة السويس والرد على رفض البنك الدولي تمويل إقامة مشروع السد العالي باللجوء مرة أخرى إلى الإتحاد السوفياتي...
استطاع عبدالناصر الصمود في وجه عدوان ثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ما أكسبه قلوب الشعوب العربية التواقة إلى التحرر والتحرير...
قام بمجموعة إصلاحات وبنى مؤسسات ووضع أسس بناء اقتصاد قوي جعل من مصر دولة ذات وزن وشارك مع جوزيف بروز تيتو في يوغوسلافيا، وشوان لاي في الصين، وجواهر لال نهرو في الهند بتأسيس مؤتمر عدم الانحياز الذي ضم معظم دول آسيا وأفريقيا واميركا اللاتينية ولعب دورا قياديا في السياسة الدولية في القرن العشرين...
كانت الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج تنتظر لسماع كلماته حتى أضحى ملكا غير متوج في العالم العربي، وحتى في الكثير من بلدان العالم الثالث...
خاف الغرب من هذه الظاهرة...
اتهموه بالشيوعية والإلحاد وسلطوا عليه مجموعات اسلاموية دون جدوى...
سلطوا عليه أنظمة الرجعية العربية وتآمروا عليه لإفشال تجربة الوحدة مع سوريا، ثم حاربوه في اليمن على أيدي القبائل الممولة من السعودية...
لكن الفخ المميت جاء حين اتفقوا مع الكيان الصهيوني على جره إلى حرب لم يكن قد أكمل الاستعدادات لها بعد...
عرفوا كل ذلك عن طريق المخابرات والجواسيس، خاصة حين قام مليك المغرب الحسن الثاني بتسليم تسجيلات مؤتمر القمة العربي الذي عُقد في المغرب إلى الموساد حيث تم هناك بحث العدوان الاسرائيلي الوشيك على سوريا وتهديدات إسرائيل للأردن ولبنان...
تدفق السلاح على الكيان من كل دول الغرب...
قدمت ألمانيا الغربية وحدها خمسين مقاتلة جوية وعشرة سفن حربية وخمسمائة دبابة بعد أن ساهمت في بناء خطوط سكك حديدية وقدمت عشر قطارات بالإضافة إلى بناء ثلاث محطات توليد طاقة...
أما فرنسا؛ فبالإضافة إلى بناء مفاعل ديمونا للطاقة الذرية، قامت بتزويد الكيان بأسطول كامل من الطرادات البحرية مع عشرات طائرات الميراج الحديثة جدا في الستينيات لزيادة الفعالية الجوية للكيان بعد أن فقدت طائرات الميستير الفرنسية تفوقها الجوي امام طائرات الميغ التي كان عبد الناصر حصل عليها من الاتحاد السوفياتي...
لكن الدعم الأميركي /البريطاني في السلاح والتدريب وحتى في المشاركة المباشرة في المعارك ظل اهم ما مكّن الكيان من توجيه ضربة قاصمة للجيش المصري بعد ان قام سفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا والإتحاد السوفياتي بتحذير عبد الناصر من البدء بالحرب... تماما كما فعلوا لاحقا مع محور المقاومة في حرب غزة...
نفس الأسلوب... نفس الخدعة...
نفس التآمر الدولي ومشاركة كل أجهزة المخابرات الغربية...
الخدعة التي انطلت على عبد الناصر عادت وانطلت على قيادة محور المقاومة في حرب غزة...
اعترف عبدالناصر بكل الأخطاء التي وقعت فيها القيادتين السياسية والعسكرية المصرية وقدم استقالته من منصب رئيس الجمهورية في مصر...
انتفضت الجماهير واجبرت عبد الناصر على العودة عن الاستقالة وقام الناس بمهاجمة بيوت المرشحين لخلافته من بقية مجلس قيادة ثورة ٢٣ يوليو...
عاد عبد الناصر عن الاستقالة وقام بشن حرب استنزاف في الجو والبحر، وأرسل الفدائيين لمهاجمة الكيان في كل مكان في البر محققا نوعا من التوازن أثناء التحضير لحرب رد الاعتبار...
لكن عبد الناصر فارق الحياة وهو لا يزال في الخمسينيات من عمره في ظروف لا تزال ملتبسة إلى اليوم وتتجه الأصابع إلى الجهاز الطبي السوفياتي الذي كان قد تدبر اغتيال الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين في ما سمي لاحقا بمؤامرة الأطباء... كان يسيطر على هذا الجهاز يهود روس تبين فيما بعد أن معظمهم له ارتباطات مع الصهيونية العالمية...
هناك من يشير أيضا إلى تعاون معهد أميركي مختص بالسموم تم استدعائه من قبل محمد أنور السادات لتشريح جثمان الرئيس رغم عدم وجود علاقات ودية بين مصر والأميركيين في ذلك الوقت...
لماذا قام السادات بالاستعانة بهذا المعهد الأميركي حصرا...؟
سؤال مع الف علامة تساؤل وتعجب...
نجح (اغتيال!) الرئيس عبد الناصر وسيطرة نائبه محمد أنور السادات على جيش كبير مدرب تم تجهيزه بأحدث انواع السلاح السوفياتي في القيام بحرب تحريكية قام بها مع حافظ الأسد في تشرين ٧٣ وانتهت بتوقيع اتفاق صلح منفرد في كامب ديفيد اخرج مصر من الصراع العربي الصهيوني وأطلق يد الكيان في لبنان بعد فك ارتباط حصل على الجبهة السورية وهدوء الجبهة الأردنية أصلا بعد مجازر أيلول الأسود التي قام اثنائها ملك الأردن بضرب المقاومة الفلسطينية ومحوها من الأردن نهائيا...
لماذا لبنان؟
لماذا تهديد لبنان
كان لبنان يحتل مكانا متميزا في الشرق الأوسط...
كانت بيروت عاصمة الإقتصاد والمال؛ وقد وصل الأمر ان بلدا مثل كندا استدان من مجموعة من المصارف اللبنانية لحل ازمته المالية في فترة ما...
كانت العملة اللبنانية قوية إلى درجة أنه كان يتم التداول بها على البورصة الأوروبية...
كان لبنان يلعب دور الوسيط والترانزيت بين الغرب الأوروبي والعالم العربي...
كما كانت طرابلس والزهراني جنوبي مدينة صيدا في الجنوب مركزين مهمين لتصدير النفط الآتي من السعودية والعراق...
كان مرفأ بيروت اهم مركز صلة وصل بيت الشرق والغرب...
باختصار، مع هكذا لبنان لا يستطيع كيان العدو المنافسة والتحول إلى مركز طبيعي لدول المنطقة...
حتى قبل اتفاق القاهرة الذي سمحت بموجبه الحكومة اللبنانية لمنظمة التحرير الفلسطينية الاستقرار في منطقة العرقوب في الجنوب، كانت إسرائيل تهاجم هذا البلد من حين إلى آخر وتمنع اهل الجنوب الاستفادة من الثروة المائية التي تختزنها أرضه...
كان نهر الوزاني يمر بين القرى اللبنانية متوجها إلى فلسطين ولا يجرؤ احد على استخدام ولو قطرة ماء من هذا النهر لهذه القرى...
أمّن التنافس الإنجيلي الأميركي (البروتستانت) مع اليسوعية الفرنسية (الكاثوليك) هذا المركز المهم للبنان...
لكن الإنجيليين الأميركيين بالشراكة مع البريطانيين كانوا يريدون نقل هذا المركز إلى إسرائيل بشراكة مع الثروة الخليجية...
من اجل هذا، اندلعت الحرب الأهلية في لبنان بعيد فك الارتباط بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا...
كان يجب ليس فقط التخلص من منظمة التحرير الفلسطينية، بل ومن كل فكر او ثقافة عربية مقاومة للسيطرة الغربية او يمكن أن تشكل مركز إسناد ضد تصفية القضية الفلسطينية، وهذا بالضبط ما كانت عليه بيروت التي رغم كل شيء، كانت لا تزال حتى اليوم تشكل ثقلا معينا في الثقافة العربية...
ما رميت إذ رميت، لكن الله رمى...
نحن البشر نخطط ليوم ويومين، لبضعة أشهر او بضعة سنين...
نحن نرى الأمور من زاوية او زاويتين...
علم البشر كان سطحيا ثم صار ثلاثي الأبعاد...
جاء اينشتاين وزاد على تلك الأبعاد بعدا رابعا في الزمن والنظرية النسبية...
لكن الله وحده من يرى اي أمر من كل الزوايا ومن كل الأبعاد...
كان دخول منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان بداية انتشار سلاح المقاومة وبداية تسليح الفكر المقاوم الذي عملت فرنسا وقبلها العثمانيون على منع أسنانه من النمو في لبنان...
مجيء المقاومة الفلسطينية المسلحة نشر فكرة السلاح التي كانت ضيقة جدا قبل هذا الدخول...
هزيمة منظمة التحرير الفلسطينية وخروجها من بيروت، فتح الأبواب على مقاومات أخرى اكثر ارتباطا بالكيان اللبناني دون الفك مع فلسطين...
مقاومات فكرية، ثقافية، اقتصادية، مالية، قومية، طبقية، إقليمية من ناحية الدور في الإقليم، دينية، لكن الأهم من كل ذلك هو قيام مقاومة تتبنى كل تلك المقاومات في آن واحد وهي المقاومة الإسلامية...
إذا كانت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية التي أسست جبهة المقاومة اللبنانية، جمول، والأنظمة الوطنية البرجوازية الصغيرة في العالم العربي قد فشلت جميعها فذلك بسبب ارتباطها بالمحور السوفياتي الذي كان الدولة الثانية التي عملت واعترفت بقيام الكيان الصهيوني لأسباب استعمارية حيث كل دولة من هذه الدول كانت تعول على نفوذ لها داخل المجتمع الصهيوني عبر اليهود المهاجرين منها؛ إذا كان هذا سابقا، فإن المقاومة الإسلامية بشقيها، الشيعي والسُنّي قد استفادت من قيام الثورة الإيرانية وتأسيس جمهورية إسلامية تتعارض بالشكل والمضمون، بالنظام والعقيدة مع الايديولوجية الصهيونية...
فكان من الطبيعي أن يتجاوز الدعم الإيراني كل شيء عرفته المنطقة من دعم سوفياتي سابق...
تسنى لحزب الله أن يكون ام وأب كل المقاومات التي نشأت في المنطقة؛ كما تسنى لهذا الحزب أن يحظى بقيادة استثنائية مع السيد عباس الموسوي أولا، ثم لاحقا مع السيد حسن نصرالله...
نجحت هذه المقاومة بتحرير الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية المحتلة عندما انسحب الجيش الصهيوني حتى الخط الأزرق دون قيد او شرط لأن ثمن البقاء على هذه الأرض كان أكبر بكثير من ثمن الخروج منها...
كان لانتصار حرب التحرير وقع قوي على دوائر الامبريالية والاحتلال
الصهيوني؛ تماما كما كان في داخل النظام الرسمي العربي الذي بدأ يتلمس ظهور كاريزما جديدة تعيد صورة عبد الناصر...
لم تتأخر هذه الدوائر في إيجاد نافذة مفتوحة في الواقع العربي...
اتهم النظام السوري بتسهيل وصول الدعم الإيراني إلى المقاومة في فلسطين ولبنان، فجرى توجيه تحذير اليه على لسان وزير خارجية أميركا بعد غزو العراق كولن باول...
وعندما استمر نظام دمشق بنفس الأسلوب لاعبا على توازنات تقول بحاجة كل الأطراف إليه لخوف الغرب على أمن إسرائيل من أي مجهول، تم اغتيال رفيق الحريري في لبنان لوضع حد لاتفاق سابق كان وضع لبنان تحت وصاية سعودية سورية بعد تمرير قرار دولي وسط صمت روسي صيني يدعو إلى انسحاب سوريا من لبنان وتجريد كل الميليشيات من السلاح، واضعا المقاومة الإسلامية في خانة الميليشيات...
في البدء، وجهت الاتهامات بهذا الاغتيال إلى السوريين الذين ما لبثوا أن انسحبوا من لبنان...
بعد ذلك تغيرت وجهة المحكمة الدولية الخاضعة للغرب ال الجبهة الشعبية (القيادة العامة) بحكم تبعيتها لنظام دمشق...
وبما ان هذه المحكمة وجدت اصلا لخدمة إسرائيل، جرى تحويل وجهة الاتهامات إلى حزب الله، وتحديدا إلى القيادات العسكرية التي لا يعرفها الإعلام مثل الشهيد مصطفى بدر الدين، وبدأ الأميركيون واتباعهم داخل لبنان بشق إسفين بين الطائفتين السُنّية والشيعية...
كما تم اتهام عبدالناصر بالإلحاد سابقا لمواجهة شعبيته؛ تم توجيه اتهامات لحزب الله الشيعي باغتيال رئيس وزراء سُنّي سابق، رغم ان احد أهم عملاء أميركا والسعودية في لبنان وهو سمير جعجع الماروني قام باغتيال رئيس وزراء لبناني سُنّي في الخدمة هو رشيد كرامي...
رغم كل هذه الحملات، تطور وضع حزب الله بشكل لا سابق له تحت قيادة السيد نصرالله الذي استطاع أسر حب الشعوب العربية بعد صمود رائع في حرب امتدت لثلاث وثلاثين يوما في تموز ٢٠٠٦...
يمكن تشبيه هذا الصمود بصمود عبد الناصر سنة ١٩٥٦ ضد العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي...
هنا، وبعد فشل محاولة إنهاء حزب الله عسكريا، قرر الأميركيون العودة إلى توتير الوضع الطائفي في محاولة لعزل الشيعة عن الطوائف الأخرى واستعملوا لذلك كل ما لديهم من أتباع ومال حتى اعترف السفير الأميركي يومها بأن السفارة قامت بحملة تشويه سمعة هذا الحزب فاقت نفقاتها ال ٨٠٠ مليون دولار، وان السعودية صرفت في لبنان اكثر من مليار دولار في الانتخابات لإسقاط حلفاء الحزب من الطوائف الأخرى، وأيضا لتشويه صورة السيد نصرالله...
دون كثير تفاصيل ودون الدخول في الإيجابيات أو السلبيات الناتجة عن مسيرة حزب الله، لا يستطيع المرء الا الاعتراف بأن السيد نصرالله خاض كل معاركه ضد خصوم الداخل اللبناني بروح فروسية قل نظيرها عند العرب...
حتى عندما قام الشهيدان السنوار ومحمد الضيف بإطلاق عملية طوفان الأقصى دون تنسيق مع بقية محور المقاومة، رفض السيد نصرالله ترك الفلسطينيين في غزة دون مشاركة في المعركة رغم رفض الإيرانيين والسوريين القيام بأي حرب كاملة بحجة أن الأوضاع لم تكتمل بعد لهذه الحرب...
لم يكن السيد نصرالله يعرف ان بشار الأسد وأخوه ماهر سوف يقومان بالتضييق على المقاومة اللبنانية وان النظام في سوريا سوف يمنع المقاومة من استخدام ترسانتها الموجودة تحت الأرض السورية لتثبيت معادلات الردع...
كانت حجة بشار إنه لن يقوم بأي عمل اذا لم يترافق ذلك مع دخول إيراني مباشر في الحرب...
يمكن القول أن قائد محور المقاومة الموجود في لبنان خُذِل من الدولتين المركزيتين في محور المقاومة إيران وسوريا...
عرف السيد أن لا طريق آخر سوى القتال حتى الشهادة بعد هذا الخذلان في مناصرة الشعب الفلسطيني من قبل كل الأطراف في النظام الرسمي العربي وفي دول المحور...
تبين أن للدول حساباتها التي تختلف عن حسابات حركات المقاومة...
هكذا وجد السيد نصرالله إنه وإخوانه يقفون وحدهم ضد كل حلف الناتو مع دخول شبه مباشر أميركي بريطاني ألماني مع كل التكنولوجيا والاقمار الصناعية وكل أدوات الذكاء الاصطناعي وطائرات التجسس وحتى استعمال الكمبيوترات العملاقة المخصصة للتجارب النووية والتي تستطيع إجراء اكثر من مليون عملية في الثانية؛ كل هذا من اجل جمع الداتا الضرورية للقضاء على القادة في غزة وفي لبنان حيث تم تزويد قوات الهجوم على المقاومتين باكثر من ١٨٠٠ قنبلة من زنة الفي رطل تستطيع اختراق الباطون المسلح حتى سماكة ستة أمتار كما تستطيع اختراق عدة اسقف حتى الوصول إلى عمق اكثر من ثلاثين مترا، اي إثنا عشر طابقا تحت الأرض...
يفيد موقع الذكاء الصناعي Chat GPT أن لدى الولايات المتحدة الأميركية قنابل تحملها طائرات ال B22 تستطيع الوصول إلى أعماقتصل حتى ١٠٠م...
كل تلك التكنولوجيا وكل تلك الوسائل الجوية والفضائية وُجهت لاغتيال القادة في غزة وفي لبنان...
لو ترك السيد نصرالله لبنان كما طلبت إيران لكانت انتهت المقاومة...
الصمود الأسطوري على حافة الخط الازرق جرى فقط لأن السيد عرف انه سوف يسقط شهيدا ولم يتراجع...
عرف السيد معنى صمود القادة على خطوط النار داخل الميدان...
عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تدفقوا يوم الأحد الفائت مع عائلاتهم وتمكنوا من تحرير عدد من البلدات باللحم الحي لم يكن ليحدث لولا معرفة هؤلاء أن كل الخسائر في الأرواح مقبولة طالما أن السيد نصرالله نفسه لم يبخل بروحه من اجل القتال ضد الهيمنة الأميركية الصهيونية...
سقط القائد شهيدا كي تبقى المقاومة تنبض بالحياة...
كان هناك مخرجا ليحي السنوار في إحدى عروض الصهاينة لوقف الحرب...
لكن القضية أكبر بكثير من حياة قائد استراتيجي فذ كيحي السنوار...
سقط القائد واستمر القتال حتى النصر الذي ظهر في عمليات مبادلة الأسرى...
في لبنان سقط القائد فجرى ذلك الصمود الاسطوري...
سقط القائد فاقتحم الناس البلدات والقرى وسط ذهول الصهاينة في الخارج، وإحباط العملاء في الداخل...
سقط القائد ومنع أسباب القوة داخل حزب الله من النفاذ حتى لا يفتك بأهل المقاومة كل زمر عملاء الداخل...
لا يستطيع أي كان نفي تلقي حزب الله ضربات قاسية تكسر الظهر...
لكن سقوط القائد منح المقاومة قوة روحية جعلت من حزب الله سدا منيعا في مواجهة ما يطبخ للبنان من تسويات على نواف سلام تنفيذها...
سقط القائد فقرر من بقي ان لا مجال لأي استسلام وان تغير تكتيك المقاومة...
عندما أسقط اللبنانيون اتفاق ١٧ أيار الذي تبنته حكومة شفيق الوزان مع وزير خارجية هو ايلي سالم ومع مستشارين لهذا الوزير كان من بينهم نواف سلام نفسه، كان سلاح المنتفضين لا يزيد على بضعة أسلحة فردية ومسدسات...
اليوم، لا تزال المقاومة تملك ما يكفي لبعث الجنون في رؤوس عملاء الداخل الذين انبروا يطلقون المواقف المعادية في كل الاتجاهات...
لم ينتحر السيد نصرالله!
هو مشى بخطى ثابتة نحو التمهيد لمنع القضاء على هذه المقاومة ومنحها ما يكفي من القوة والعزيمة كي تفرض رؤيتها وتمنع اتفاق ١٧ أيار آخر...
أثناء الحرب تنبأ احد الكتاب الذي نسيت اسمه بأن تتوسع دائرة القتال لتشمل كل دول المحور، بما في ذلك سوريا وإيران...
توسيع الصراع إلى جغرافيا أكبر سوف يدفع هذا الصراع ليصبح صراعا أكبر من محلي وتدخل فيه مضطرة حتى فئات كانت تقف على الحياد أو تؤمن بأن الأميركي سوف يحميها من بطش الإسرائيلي...
كل شعب لبنان وسوريا سوف يكتشف ما كان يعرفه السيد الشهيد نصرالله والشهيد السنوار...
لذلك أمام أميركا فرصة أن تتراجع عن مشروع الشرق الأوسط الجديد وألا سوف تواجه مقاومات تمتد على مساحات تزيد على الملايين من الكيلومترات المربعة...
الحالمون بالهدوء والاستقرار سوف يواجهون غطرسة بلا حدود إلى أن تخرج الأسلحة من المخابئ لمواجهة حلفاء العدو من اهل الداخل وتشن المقاومة حرب تحرير شعبية بعد أن تعلمت من أخطاء الماضي...
رغم الآلام، رغم ضخامة التضحيات،
نحن لا نزال على طريق نهاية الكيان...
كل ما في الأمر أن هذا الزوال تأخر بعض الشيء بسبب أخطاء ارتكبت...
تعلم حزب الله اخيرا من أخطائه المميتة التي تسببت بهذا الكم الهائل من الخسائر...
كل هذا بفضل دماء شهداء قادة سقطوا ورووا بدمهم الأرض التي سوف تنبت مع كل نقطة دم قادة آخرين ومقاتلين اشداء لن يترددوا هذه المرة ولن يعزفوا عما وعدوا الله به...
إلى الميدان مرة أخرى؛
لكننا هذه المرة سوف ننتصر وفاء لدماء من سقطوا على هذا الدرب وعلى رأسهم مؤمنون بالله ورسوله وأن الحق الذي تقاتل من أجله الشعوب لا بد أن ينتصر...
حليم خاتون



