عثر فريق بحثي نمساوي على مومياء محنطة تعود إلى القرن الثامن عشر، وذلك داخل سرداب كنيسة "سانت توماس" في قرية بلازنشتاين الصغيرة الواقعة في النمسا. المومياء التي لا يتجاوز عمرها 300 عام، حُفظت بحالة مذهلة رغم مرور الزمن، مما أثار دهشة الباحثين ودفعهم للتعمق في دراسة التقنية المستخدمة في التحنيط.
- التحنيط في أوروبا: تقنيات مغمورة تظهر للنور
على الرغم من أن المومياوات غالبا ما ترتبط بمصر القديمة، إلا أن التحنيط كان شائعًا في عدة حضارات حول العالم، بما فيها أوروبا، ويبدو أن هذه المومياء النمساوية تمثل دليلاً نادراً على وجود تقنيات تحنيط متطورة في أوروبا، لم تُعرف من قبل بهذا الشكل الفريد.
- هوية المومياء وتقنيات الفحص
أظهرت الفحوصات الدقيقة، بما في ذلك التصوير المقطعي والتحليل بالكربون المشع، أن الجثمان يعود لكاهن محلي يُدعى "فرانز كزافيير سيدلر فون روزينيج"، والذي توفي عام 1746، وبيّنت النتائج أن الجزء العلوي من جسده ما يزال محفوظا بشكل شبه كامل، في حين تعرض الجزء السفلي والرأس لدرجة أكبر من التحلل.
- تقنية تحنيط فريدة من نوعها
ما أذهل العلماء بشكل خاص هو تقنية التحنيط المستخدمة، والتي تُسجَّل لأول مرة في أوروبا، فقد تبيّن أن تجويفي البطن والحوض تم حشوهما بمواد عضوية مثل نشارة خشب التنوب، وألياف الكتان، وقطع من الأغصان، وذلك عبر القناة الشرجية دون فتح الجسم، وهو أمر لم يكن مألوفًا في طرق التحنيط المعروفة.
ويُعتقد أن هذه المواد تم استخدامها لامتصاص الرطوبة من الجسم مباشرة بعد الوفاة، مما ساهم في حفظ الجثة بشكل فعال ودون الحاجة إلى التشريح، وهو ما يمثل إنجازا علميا فريدا في سياق تقنيات التحنيط الأوروبي.
- أسرار داخل الجثة: الكرة الزجاجية الغامضة
ومن بين المفاجآت الأخرى التي كشفتها الفحوصات، وجود كرة زجاجية صغيرة بحجم حبة العنب داخل الجثة، تحتوي على ثقبين دقيقين، ويرجّح الباحثون أنها إما أداة سرية تُستخدم في التحنيط، أو قطعة دينية من مسبحة مفقودة، لتضيف بذلك لغزا جديدا إلى هذا الاكتشاف الفريد.
- ملامح الحياة والصحة قبل الوفاة
وبناءً على التحاليل البيولوجية، تشير النتائج إلى أن الكاهن كان يتراوح عمره عند الوفاة بين 35 و45 عاما، ويُعتقد أنه عاش بين عامي 1734 و1780، ما يتطابق تمامًا مع حياة فرانز كزافيير سيدلر فون روزينيج، كما كشفت التحاليل عن نمط غذائي صحي يعتمد على الحبوب الكاملة والبروتينات والأسماك، في حين تبين أنه لم يكن نشطًا بدنيًا، وكان يدخن بكثرة في سنواته الأخيرة، حيث عانى من مرض السل الرئوي.
- اكتشاف يُضاف إلى التراث العلمي الأوروبي
يمثل هذا الاكتشاف نقطة تحول في فهم طرق التحنيط الأوروبية، ويكشف عن مهارة فائقة وابتكار في الحفاظ على الجثامين دون اللجوء إلى الطرق الجراحية التقليدية، وقد اعتبر العلماء هذا الأسلوب الفريد تراثا علميا جديرا بالدراسة والتوثيق، لكونه يعيد كتابة جزء من تاريخ الطب والممارسات الجنائزية في أوروبا.

