أعلن باحثون من جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة عن ولادة ثمانية أطفال أصحاء، بفضل تقنية مبتكرة في الإخصاب الصناعي تعتمد على الحمض النووي من ثلاثة أشخاص: الأب والأم ومتَبَرعة أنثى. تهدف هذه الطريقة إلى منع انتقال الأمراض الوراثية الناتجة عن طفرات الحمض النووي للميتوكندريا، والتي قد تسبب أمراضا مدمرة لا علاج لها حتى الآن.
التقنية، المعروفة باسم النقل النووي (Pronuclear Transfer – PNT)، تسمح باستبدال الميتوكوندريا المريضة بميتوكندريا سليمة من متبرعة، مع الحفاظ على الصفات الوراثية للأبوين، وأظهرت المتابعة أن جميع الأطفال الثمانية، وهم أربع فتيات وأربعة فتيان (من بينهم توأمان متماثلان)، ينمون بشكل طبيعي ولا توجد لديهم أي مؤشرات على الإصابة بالمرض.
- كيف تعمل تقنية النقل النووي؟
تُجرى عملية النقل النووي بعد تخصيب البويضة، حيث يتم نقل الحمض النووي النووي – الذي يحمل الصفات الوراثية للأبوين – من بويضة مصابة إلى بويضة متبرعة سليمة تمت إزالة مادتها النووية. النتيجة: جنين يحمل الحمض النووي النووي للأبوين، لكن الميتوكوندريا تأتي من المتبرعة، ما يمنع انتقال الطفرات المسببة للمرض.
- مرض الميتوكوندريا
الميتوكوندريا هي "محطات توليد الطاقة" داخل الخلية، وتحمل كمية صغيرة من الحمض النووي الذي يُورث عبر الأم فقط، الطفرات في هذا الحمض النووي قد تؤدي إلى نقص شديد في الطاقة، مما يضر أعضاء مثل القلب، الدماغ، والعضلات، ويصيب مرض الميتوكوندريا طفلا واحدا من بين كل 5,000 مولود سنويا، وغالبا ما يكون بلا علاج فعّال.
- نتائج واعدة وأمل جديد
نُشرت نتائج التجارب السريرية في مجلة نيو إنجلاند الطبية (NEJM)، وأكدت أن جميع الأطفال الذين وُلدوا بهذه التقنية كانوا بصحة جيدة عند الولادة، وأكملوا مراحل التطور الطبيعي في المتابعة حتى 18 شهرا.
في خمسة من هؤلاء الأطفال، كانت نسبة الحمض النووي الميتوكوندري المسبب للمرض غير قابلة للكشف، بينما كانت منخفضة جدا في الثلاثة الآخرين، وبعيدة عن النسبة التي تسبب أعراضا (80%).
- قصص من قلب التجربة
إحدى الأمهات قالت: "كل ما أردناه هو أن نمنح طفلنا بداية صحية في الحياة، وهذا ما فعله الإخصاب الصناعي بتقنية التبرع بالميتوكندريا. لقد منحنا الأمل ثم منحنا طفلنا، ونحن ممتنون إلى الأبد".
أم أخرى أضافت: "كنا نعيش تحت خوف دائم من المرض، واليوم نحن نحتضن طفلا سليما بفضل هذه التقنية الرائعة".
- تنظيم قانوني دقيق ودعم من NHS
أقرت المملكة المتحدة هذه التقنية قانونيا عام 2015 بعد نقاشات علمية وأخلاقية موسعة، لتصبح الدولة الأولى عالميا التي تسمح بها تحت إشراف هيئة الإخصاب البشري وعلم الأجنة (HFEA). وقد حصل مركز الخصوبة في نيوكاسل على الترخيص الأول لتنفيذ هذه التقنية عام 2017، كجزء من برنامج متخصص تابع لـ هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS).
- تحديات مستقبلية وبحوث مستمرة
على الرغم من النجاح، يشير العلماء إلى أن التقنية قد تسمح بمرور نسبة ضئيلة من الميتوكوندريا الأم إلى الجنين، وهو ما يعرف بـ "Carryover". ويعمل فريق نيوكاسل على تطوير أساليب لتقليل هذه النسبة أكثر، سعيا للوصول إلى الوقاية الكاملة من المرض.
- أثر عالمي محتمل
هذا الإنجاز يمنح الأمل لملايين الأسر حول العالم التي تواجه خطر انتقال أمراض الميتوكوندريا إلى أطفالها، ومع استمرار المتابعة الطبية حتى سن الخامسة، يأمل الباحثون أن تفتح هذه النتائج الباب أمام تعميم التقنية عالميا، كما حدث مؤخرا في أستراليا.