سورية نحو … فرصة الوطن
مقالات
سورية نحو … فرصة الوطن
وائل المولى
8 كانون الأول 2025 , 06:52 ص

مهما اشتدّ الجدل، وتباينت الروايات، وتناقضت المشاهد، تبقى الحقيقة الأعمق أنّ الأوطان تُبنى على القدرة على تحويل الجرح إلى بداية، وعلى تحويل الصدمات إلى وعيٍ جديد يُعيد ترتيب الأولويات. لسنا بحاجة إلى مزيدٍ من الكراهية ولا إلى حفلات شماتة تُعمّق الشرخ وتُضعف ما تبقّى من نسيجنا السوري، بل نحن بحاجة إلى لحظة صادقة نقف فيها جميعًا، على اختلاف مواقعنا وتجاربنا ومراراتنا، لنسأل أنفسنا: ما الذي يستحق أن نتمسّك به؟ وما الذي يمكن أن نغفره من أجل وطنٍ أنهكته سنوات الحرب والضياع؟

قد تكون الأحداث التي جرت مؤلمة وقاسية، تُذكّرنا بكل ما فقدناه: أحباء رحلوا، وبيوت تهدّمت، وذاكرة تفرّقت، وسنوات طويلة خسرها الشعب السوري من عمره ومستقبله. لكن وسط هذا الركام، تبرز نافذة صغيرة تُشبه الفرصة النادرة؛ فرصة لإعادة التفكير في أنفسنا قبل التفكير في خصومنا، ولتذكيرنا بأنّ سوريا لن تُشفى ما لم نتعلّم أن نمدّ أيدينا لبعضنا، وأن ننتقل من لغة الانتقام إلى لغة البناء، ومن منطق التخوين إلى منطق الفهم والمصالحة.

فلنعتبر هذه اللحظة بداية صفحة جديدة؛

صفحة لا يُقصى فيها أحد، ولا يُرفع فيها أحد فوق الألم المشترك.

صفحة ندرك فيها أن الحقيقة – مهما كانت صادمة أو قاسية – يمكن أن تكون جسرا يعبر بنا نحو ما هو أفضل، لا فاصلا يزيد المسافة بيننا.

ولنعمل، يدًا بيد، على إعادة بناء الوطن…

وطنٌ يتّسع للجميع دون استثناء،

وطنٌ يستعيد عافيته حين نؤمن أن المستقبل يبدأ بنا نحن، بخياراتنا ووعينا، لا بما سقط خلفنا من أشخاص وصراعات وأوهام.

فإذا نجحنا في تحويل هذه اللحظة إلى درس، وإلى خطوة أولى نحو مصالحة داخلية أعمق، فربما نعيد لسوريا شيئا من الضوء الذي انطفأ، ونفتح الباب أمام جيل جديد يحلم بوطنٍ لا يخاف؛ وطنٍ يُبنى على العدالة والكرامة، لا على الخوف والانقسام.

هكذا فقط … تتحوّل المحنة إلى فرصة، والجرح إلى بداية.