الرائحة المميزة للأشجار الصنوبرية ليست مجرد إحساس لطيف، بل هي نتاج نظام بيولوجي معقد يعود بالنفع على الأشجار نفسها، وعلى النظام البيئي للغابة ككل، بل وحتى على صحة الإنسان وحالته النفسية وفق موقع Naука Mail.
ترتبط رائحة الإبر الصنوبرية في أذهان الكثيرين بالهواء النقي والغابات الهادئة وأجواء الأعياد. لكن ما السبب العلمي وراء هذه الرائحة؟ وما الذي يقف خلف هذا التأثير الذي يبدو وكأنه سحر طبيعي؟
زيوت عطرية مخزنة داخل الإبر والخشب
أظهرت الدراسات أن جميع الأشجار الصنوبرية، مثل الصنوبر والتنوب والشوح، تحتوي في إبرها وخشبها ولحائها على غدد خاصة تُخزَّن فيها الزيوت العطرية.
تؤدي هذه الزيوت وظائف حيوية متعددة، من بينها:
حماية الأشجار من الحشرات والأمراض الفطرية
المساعدة على تحمّل فترات الجفاف
ردع بعض الحيوانات وجذب أنواع أخرى
دعم التوازن البيئي داخل الغابة
وتُعد التربينات المكوّن الأساسي لهذه الزيوت، ومن أبرزها: بينين (Pinene) وليمونين (Limonene).
بينين: المصدر الرئيسي لرائحة الصنوبر
يُعتبر مركب البينين العنصر الأهم المسؤول عن الرائحة الكلاسيكية المميزة للصنوبر.
ومن اللافت أن هذا المركب لا يقتصر وجوده على الأشجار الصنوبرية فقط، بل يمكن العثور عليه أيضًا في بعض الأعشاب، وحتى في قشور البرتقال.
في المقابل، تضيف مركبات أخرى مثل كامفين وليمونين نغمات عطرية ثانوية، تتنوع بين روائح حمضية خفيفة، أو لمسات حارة، أو إحساس منعش قريب من النعناع.
وعند تضرر الإبر أو كسرها، تبدأ هذه الزيوت في التبخر سريعا، مطلقةً تلك الرائحة النفاذة والمنعشة المعروفة.
الرائحة كوسيلة دفاع وتواصل بين الأشجار
لا تقتصر وظيفة رائحة الصنوبر على الإحساس اللطيف فقط، بل تؤدي دورا دفاعيا مهما:
الزيوت العطرية سامة لكثير من الحشرات والفطريات
تعمل كرادع طبيعي للآفات
تساعد الأشجار على الاحتفاظ بالرطوبة وتقليل تبخر الماء
كما تُستخدم الرائحة كوسيلة تواصل بين النباتات.
فعندما تتعرض شجرة صنوبر لهجوم من الحشرات، تبدأ في إفراز كميات أكبر من التربينات، ما يشكل إشارة تحذير للأشجار المجاورة للاستعداد للخطر.
تأثير رائحة الصنوبر على الإنسان
تشير الأبحاث إلى أن روائح الأشجار الصنوبرية، وخصوصا البينين، لها تأثير إيجابي على الإنسان، إذ:
تُحسّن الحالة المزاجية
تُخفف التوتر والضغط النفسي
قد تُسهم في دعم جهاز المناعة
لكن العلماء يؤكدون أن هذا التأثير لا يعود بالضرورة إلى خصائص دوائية مباشرة لهذه الزيوت، بل إلى الارتباطات النفسية المكتسبة.
فعندما يكون للإنسان رابط عاطفي إيجابي مع رائحة معينة، يتم تفعيل هذا الارتباط فور استنشاقها. وهذا ليس تأثيرا كيميائيا بحتا، بل تأثير نفسي، إلا أن نتائجه الجسدية حقيقية وملموسة.
لماذا تملأ شجرة الصنوبر المنزل بأجواء العيد؟
تُسهم رائحة الصنوبر الطبيعية في خلق أجواء احتفالية داخل المنازل خلال الأعياد، خاصة مع أشجار رأس السنة المزينة.
ولهذا السبب، يؤكد الباحثون أنه حتى لو لم تكن الزيوت العطرية للصنوبر تحتوي على مواد ترفع المزاج بشكل مباشر، فإن تأثيرها الإيجابي على الشعور العام لا ينبغي التقليل من شأنه، ولا يوجد ما يدعو للاستغناء عن شجرة العيد الطبيعية.