كتب الاستاذ ناجي الزعبي:
كان كامب ديفيد محطة احدثت تحولا نوعيا قلب موازين الصراع مع العدو الصهيوني راسا على عقب ، فقد اخرجت مصر الدولة العربية الاكبر وزنا وثقلاً وتأثيرا" سياسيا" وعسكريا" عل صعيد الوطن العربي والعالم من دائرة المجابهة العسكرية ومن دول الطوق للعدو الصهيوني . قد كبلت الاتفاقية الجيش المصري وجردت الدولة من ارادتها السياسية ورهنت اقتصادها بالاقتصاد الاميركي " وبصندوق النقد الدولي " الاستعمار بحلته الليبرالية الجديدة التي بشر بها السادات وفتحت الباب المصري مشرعا على ما اطلق عليه الانفتاح الاقتصادي وعصر الرفاه الذي افضى لحقبة اقتصادية مصرية من ابشع الحقبات حيث سخرت كل شئ لطبقة للكمبرادور " الوسطاء والوكلاء التجاريين " لتنشب اظافرها في اجساد الفقراء وتثري وترتهن لصندوق النقد بالديون ولفوائد هذه الديون على حساب بؤس وفقر الكادحين المصريين وتحرمهم من التنمية والبناء واستثمار الموارد وتطيح بالقطاع العام وانجازات عبد الناصر وتشرع البوابة على الاتفاقيات المهينة القادمة " اوسلو " ثم وادي عربة .
حيث استنسخت الاولى نظاما يحمل نفس جينات انظمة سايكس بيكو التابع والمرتهن للمركز المالي الامبريالي وما اطلق عليه سلطة اوسلو التي ادت دورها الوظيفي العميل في الاطاحة بمنظمة التحرير وكل الفصائل المقاومة وعملت على تفكيكها وتدجين قسما منها وزج الاخر في المعتقلات الصهيونية ومعتقلات السلطة وصفت القسم الاخر او مكنت العدو الصهيوني من تصفيته واجتثت باقصى ما يمكنها روح المقاومة والثورة على مدار ما يزيد عن واحد وعشرين عاما عملت خلالها على استبدال الاحتلال الصهيوني للضفة الشرقية من فلسطين " الغربية للاردن " باحتلال فلسطيني فلسطين ي ، وبذا خرجت منظمة التحرير والشعب الفلسطيني من دائرة الصراع والمجابهة مع العدو الفلسطيني وكانت القوة الثانية المغادرة بعد مصر .
ثم اتت اتفاقية وادي عربة التي كان لها نفس مفاعيل كامب ديفيد واوسلو فقد رهنت الاردن اقتصاديا وسياسيا وعسكريا للعدو الصهيوني فاصبح ارتهانه مركبا على غرار مصر , وسلطة اوسلو , لصندوق النقد وواشنطن , وللعدو الصهيوني في آن معاً .
لعب الاردن ثم لسعودية والكويت وواشنطن بعد ذلك بشكل ممنهج معد باحكام على دفع نظام صدام حسين المنهك اثر الحرب العراقية الايرانية الدامية لاحتلال الكويت مما خلق الذرائع للفاشية الاميركية المسيحية , وايدولوجية تشيني وبوش الابن فيما بعد لفبركة مسوغات العدوان الهمجي البربري على العراق وتدميره وتفكيكه وحل مؤسسات دولته وقواته المسلحة وسرقة تراثه وثرواته وشنق قائده واخراجه من العمق العربي الاستراتيجي واغراقة بالصرعات الطائفية والمذهبية وبالارهاب الذي اتخذ مسميات متعددة كدولة العراق ثم دولة العراق والشام داعش لاحقا .
وكان لابد من استكمال تفكيك وتدمير دول الطوق و الاجهاز على المعقل الاول والاخير المقاوم للهيمنة الاميركية والعدو الصهيوني المتحالف مع ايران وهو حزب الله وسورية فجرى عدوان ال ٢٠٠٦ الذي اصطدم بمقاومة شرسة وتصد غير مسبوق للاعتداءات الاميركية الصهيونية على وطننا وشعبنا العربي والذي هزم هزيمة قد تكون المسمار الاول في نعش الاميريالية والتفرد الامبريالي الاميركي كقطب عالمي اوحد . كان هذا النصر منعطفا تاريخيا ومقدمة للاطاحة بمشروع الهيمنة الاميركية ولجم العدو الصهيوني وردعه وانكفاءه خلف جدران اسمنتية عازلة اثر انسحابه من لبنان وهزيمته النوعية المدوية , وسقط مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي كانت كونداليزا رايس تبشر به .
لجأت بعدها واشنطن لاغتيال الحريري وعملت عل تاليب الراي العام اللبناني والعربي والدولي ضد سورية وحزب الله لاخراج الجيش السوري من لبنان وتسليط سيف المحكمة الدولية على راس سورية وحزب الله على غرار ما فعلت بالبشير وافلحت في تركيعه واضطرته الى تقسيم السودان , لكنها لم تفلح في الحالة السورية وحزب الله نظرا لما يتمتع به الحزب المقاوم من مصداقية وتاريخ نضالي ينزهه عن التورط بمثل هذه الجرائم وما يمتلكه مع سورية من ارادة سياسية مستقلة و قوة ووعي لكنه المؤامرة وما تستهدفه الامر الذي مكنهما من ان يكونا قوة عصية على عدوان ال 2006 وجريمة اغتيال الحريري .
. كانت هزيمة ال 2006 ممرا اجباريا للربيع العربي لاسقاط سورية التي لم تفلح عملية الاغتيال في اسقاطها وكسر تحالفها مع ايران وحزب الله ودعمها له وللمقاومة الفلسطينية والعراقية ، كما لم تفلح تهديدات كولن باول في ال ٢٠٠٣ في تركيعها و رضوخها لشروطه التي لو استجابت لها لكانت في مقدمة الدول التي تحضى بالرعاية الاميركية الاطلسية .
فكان ( الربيع العربي ) الذي خطط له بعناية فائقة وأُعد مسرح الاحداث العربي حيث جرفت الحياة السياسية في الوطن العربي وحرم من مقدراته وثرواته وموارده وفرض عليه نمط تعليمي وسياسي وفكري هابط مهد له بالافقار والتهميش الممنهج واعدت امبراطورية اعلامية لضخ الاكاذيب والاضاليل والفبركات الاعلامية بعد نزع الحصانة الفكرية للجماهير ووأد حياتها وقواها السياسية او احتوائها وتجدينها وشراء بعض منها . كما اعدت امبراطورية دينية لعبت دورا بالغ الخطورة في استثمار الاسلام السياسي الوهابي في افغانستان ويوغسلافيا ثم في العراق وسورية وتونس وليبيا ومصر والمغرب واليمن
الربيع العربي لابتكار الامبريالي بالمواصفات والمعايير الاميركية اللاعب والمايسترو الرئيسي الذي يدير المسرح العربي من خلف ومن امام الستائر الوسيلة المبتكرة لاسقاط الدولة الوطنية السورية وكسر تحالفها مع ايران وانهاء تحالفها ودعمها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وادخالها بيت الطاعة الاميركي الامبريالي وحظيرة التبعية والارتهان لصندوق النقد والبنك الدوليين ثم عقد اتفاقية استسلام على غرار كامب ديفيد واوسلو ووادي عربه وانهاء استقلالها الوطني والاقتصادي وعدم مديونيتها وسرقة غازها ونفطها وثرواتها ومواردها ومن امتلاك البحث العلمي والتقدم الصناعي والتننمية على غرار كل دول التبعية .
لكن سورية وحلفائها الاقليميين والدوليين ابدوا صمودا غير مسبوق اطلق العنان لدول وقوى التحرر وقلب قوى و موازين الصراع وقد بات من الجلي ان حلبة الصراع السورية اصبحت مفترق الطرق وبوابة للهزيمة لكل قوى التحرر والاستقلال في العالم او لقوى الظلام والهيمنة للراسمالية المتوحشة في ابشع صورها وتجلياتها .
وفي استعراض لموازين القوى والتحولات الموضوعية وللظروف الذاتية للنهج الراسمالي يتضح بما لا يدع مجالا للشك ان الافول الراسمالي هو عنوان المرحلة التي ابتدأت من ال ٢٠٠٦ وان الكفة الراجحة هي كفة قوى التحرر والانعتاق برغم كل الاثمان الباهظة التي دُفعت وسيجري دفعها .
عمان 13 / 2/2016