كتب الأستاذ حليم خاتون:
"التاريخ يكتبه المنتصرون"، جملة يرددها كل من يحاول أن تتحلّى كتابته بأي شيء من الموضوعية.
ربما لذلك، يمكن القول: إن التاريخ وجهة نظر يجب إثباتها دوماً، بالمعطيات والحقائق.
في أوروبا، ممنوع مناقشة وجهة النظر الرسمية، بشأن ما حدث في الحرب العالمية الثانية.
أيُّ تشكيك بالرواية الصهيونية عن الهولوكست، يعاقب عليه القانون.
القول مثلا: إنّ ضحايا النازية من اليهود هم خمسة ملايين وليس ستة، سوف يعني السجن مع غرامة بعشرات الألوف من اليورو.
أدولف هتلر، وبنيتو موسوليني، مجرمَا حرب؛ لكن شريكهم في التحالف، إمبراطور اليابان، والذي ارتكبت قواته فظائع في الصين وكوريا، لا تقلّ عن فظائع النازيين والفاشيين، ظلّ في السلطة، ولا زالت سلالته مُقدسة في بلاد الشمس المشرقة.
أمّا قيادات الحلفاء..!!! هؤلاء أبطال قاتلوا من أجل الحرية والديموقراطية!!!
ستالين، تشرشل، روزفلت، فرانكلين .. وآخرون،
هؤلاء ظهرت حرياتهم وديموقراطيتهم في سيبيريا، والهند والصين وكوريا والجزائر وفلسطين وأفريقيا، جنوبها تحديداً، وجنوب شرق آسيا...
يوسف خوري، اتخذ لنفسه صفة المؤرخ، لإضفاء هالة مزيفة برّاقة على أحقاده الدفينة، التي تفجّرت في مقالة خرقاء ضدَّ المسلمين عامة، والشيعة خاصّة.
عندما يتناول كاتب سياسي تاريخ لبنان من ضمن تاريخ المنطقة، ويستند إلى اتفاقية سايكس بيكو، للقول: إنّ تأسيس الكيانات التي ظهرت بنتيجة هذه الِاتفاقية، لم يكن سوى مؤامرة على أهل المنطقة وسكانها من كل الأعراق والديانات؛ يكون هذا التحليل منطقياً وإثباتاته موجودة في مراسلات مكماهون مع الشريف حسين، وفي تفاصيل سايكس بيكو... وإرهاصاته التي ظهرت مع وعد بلفور.
عندما يقول هذا التحليل السياسي: إنّ تأسيس هذه الكيانات ومن ضمنها الكيان اللبناني، لم يكن سوى خدمة للمستعمرالذي استند أيضاً إلى شرائح وفرق وكيانات محليّة؛ في هذه الحالة، لا يجافي التحليل الحقائق، لأنه لا فرنسا، ولا بريطانيا، ولا أمريكا، ولا الدوائر الصهيونية المتحكّمة بهم، يمكن أن تفضًل مصالح أيٍّ من الكيانات المحلية، على مصالحها الإمبراطورية الإستعمارية.
في النهايّة، يكون هذا التحليل، تحليلاً سياسيا، يُعبّر عن وجهة نظر سياسية، غير مقدّسة وقابلة للنقاش، ولا تدّعي امتلاكها الحقيقة المُطلقة، عبر الِادعاء أن كاتبها مؤرخ ما، لا نعرف عن موضوعيته غير الجمل البالية الحاقدة التي احتوتها مقالته الخرقاء.
الحديث عن مظلومية الشيعة التاريخية منذ ما بعد استشهاد الإمام علي، مرورا بالحقبتين الأموية والعباسية، وصولاً إلى المماليك والخلافة العثمانية، هي حقائق موجودة في الكتب التي لا يتضمنها المنهج المدرسي الرسمي بكل أسف، والذي اختزل تاريخ الكيان اللبناني، فقط بإمارة واحدة...لا نعرف عنها سوى ما أراد بعضهم حياكته...
لم نرَ في كتب التاريخ الرسمية كلمة واحدة عن تدمير مدينة صور ونهبها وبقائها على خرابها لأكثر من مئتي سنة، ولجوء سكانها إلى الداخل من جبل عامل ايام المماليك والعثمانيين..
لم تحدًثنا كتب التاريخ عن استباحة مال المسلم الشيعي وعرضه، ما جعل هؤلاء الناس، "طفّارا" في الجبال والمغاور، وعن لجوئهم إلى مبدأ التقيّة التي تناولها يوسف هذا، دون ذكر مسببّاتها... ولجأ إلى المغالطة حين ربط هذه التقيّة بمؤامرة شيعية أممية،من نسج خياله ولا برهان َواحداً على أيِّ خرافات مما قاله عن السافاك والإمام الصدر وعداوته لعبد الناصر.
على كلٍّ، ولكي لا نتوه في ما يريد لنا، يوسف خوري أن نتوه فيه، عبر الحفر في الاحقاد الطائفية والمذهبية؛ هناك مطلب رفعه السيد موسى الصدر، ولا زالت حركة أمل ترفعه، وهو يخصّ كل سكان هذا الكيان، وامنيتنا، أن نستطيع تعميمه على كل الكيانات الشقيقة حتى نعود أمة عربية واحدة وخالدة.
إنه مطلب الدولة المدنية.
دولة القانون القوية العادلة لكل بناتها وأبنائها.
يستطيع يوسف خوري الصياح، كما يريد.
يستطيع يوسف خوري تزوير التاريخ ليلائم أحقاده على الشيعة الذين هزموا حلفاءه في سوريا والعراق واليمن، وإن شاء الله قريبا في الجليل، وبعدها على كامل التراب الفلسطيني المُقدّس...
لكنه لن يستطيع تبيان ترابط الدولة المدنيّة مع التآمر الشيعي.
لن يناقشه أحد في تعبيرالأممية الشيعية، لأن الشيعة يتبنّون بالفعل أمميّة إنسانية، طالب بها السيد موسى الصدر، ودعا لهاالسيد محمد حسين فضل الله، وكرّس المطالبة بها السيد السيستاني في لقائه مع الحبر الأعظم في النجف الأشرف، ومارستها الجمهورية الإسلامية في مساندة مستضعفي فنزويلا الكاثوليك، وكلّ ذلك استنادا على أساس
متين ينطلق من شعاع النور الذي قال فيه الرسول الكريم،
أنا مدينة العلم، وعلي بابها...
التحريف والهرطقة، على كل حال ليس مرتبطا ولم يكن يوما، بتاريخ الشيعة الذين قال عنهم يوسف هذا: إنهم كانوا مظلومين عبر التاريخ.
وكما يقول كبار الفلاسفة،
إذا خُيًرنا بين موقع الظالم، وموقع المظلوم، فالافضل هو موقع المظلوم.
الحمدلله أننا كنا عبر التاريخ، دوماً في موقع المظلومية، وقد حشرنا الله فيه مع حسيننا والسيد المسيح وسائر الأنبياء والصالحين الذين كانوا دوماً من المظلومين.
في الأخير من مقالة لن تكون أخيرة، لا زلنا على عهدنا الإنساني ببناء الدولة المدنية القوية العادلة لجميع أبنائها وبناتها من كل الديانات والأعراق والأجناس، ولذلك دعونا وندعو دوماً، إلى إقامة شرق أوسط خالٍ من أي تمييز... شرقٍ أوسط يوحد كل الكيانات الحرة وغير الاستعمارية والاستيطانية من عرب وترك وأرمن وكرد وفرس وغيرهم، ممالا نريد نسيانه...
فيجري بناء كونفدرالية مشرقيّة تحدث عنها بطل النضال أنيس النقاش، تستند إلى أمثال حدثت في التاريخ.
فقط مع هكذا كونفدرالية، يمكن لكل الأقليّات المهدَّدة من أشوريين وكلدان، وآراميين وغيرهم من أحفاد الحضارات التي مرّت على أرضنا والتي شاركتنا التاريخ والجغرافيا والحضارة..
هيا بنا إلى ويستفاليا شرق أوسطيّة، حتى لا يخرج علينا مستقبلا مهرّج مسلم او مسيحي، أو أيًّا يكن،
يقصّ علينا ترّهات من مثل ما جاء به يوسف خوري...