كتب جورج حدادين:\ أزمة المياه  في الأردن هي أزمة نهج / الجزء 1
دراسات و أبحاث
كتب جورج حدادين:\ أزمة المياه في الأردن هي أزمة نهج / الجزء 1
27 نيسان 2021 , 04:52 ص
  كتب جورج حدادين:   تصريح رسمي، كمية الهاطل المطري هذه السنة تعادل حوالي 60% من المعدل السنوي العام، الذي يبلغ حوالي ( 8.25 مليار م 3) وبناء عليه يتم الطلب من المواطنين ترشيد الاستهلاك ( حل

 

كتب جورج حدادين:

 

تصريح رسمي، كمية الهاطل المطري هذه السنة تعادل حوالي 60% من المعدل السنوي العام، الذي يبلغ حوالي ( 8.25 مليار م 3) وبناء عليه يتم الطلب من المواطنين ترشيد الاستهلاك ( حل وهمي لا يمكن أن يسد 1% من العجز لماذا هذا التذاكي؟)، يعلم صناع القرار أن إستهلاك الفرد الأردني هو الأدنى على صعيد المنطقة، تماماً كما تطالب الجياع بشد الأحزمة ( كان سكن سلطة المصادر في قرية اسمها الراشدية بالقرب من االقويرة، وكان أطفال القرية يومياً صباحاً يأتون لنا لطلب الخبز، وكان يوم جمعة فإذا بخطيب الجامع يطالب أهالي القرية الجياع بعدم التبذير!!!، لله درك) ، هم يعلمون أن نصيب الفرد الأردني من المياه قد تناقص من حوالي (1200 م 3 ) ستينات القرن الماضي إلى أقل من( 100 م3) هذه الأيام،  فلماذا يطلبون من المواطن ترشيد الإستهلاك، وخاصة وأنهم يعلمون أن التزويد بالمياه يتم مرة واحدة في الأسبوع، وبعض المناطق كل أسبوعين أو أكثر، فلا يمكن ترشيد الإستهلاك عملياً لأن الواقع أشد من الترشيد، ما وظيفة هذا الطرح؟ ألا يخدم تزييف الوعي الجمعي وطمس الحقائق، النتائج على أرض الواقع تدل على فشل ذريع لنهج ساد، في التعامل مع قطاع المياه، منذ مدة طويلة.

ماذا تعني أزمة المياه؟
ببساطة بالغة، الطلب على المياه أعلى من العرض.
بالرجوع إلى " خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية  قطاع المياه والري 1998-2002 صفحة 12 تحت عنوان موجز التزويد المائي والاحتياجات المائية المتوقعة ( مليون م 3)

السنة

التزويد المائي

الاحتياجات المائية

العجز 

1995

882

1104

222

2000

960

1257

297

2005

1169

1407

238

2010

1206

1457

251

2015

2020

1225

1250

1550

1658

325

408


كما هو مبين في الجدول أن العجز المائي يتنامى بحيث تضاعف بين عامي 1995 و 2020 ، نستنتج وبكل بساطة غياب العقل الإستراتيجي الضروري لمواجهة أزمة قادمة ومحسوبة بالأرقام، كما ونلاحظ انخفاض العجز المائي بين عامي 2000 و2005 حوالي 59 مليون م 3  ليرتفع العجز إلى 186 مليون م 3 عام 2020، ليس هكذا تعالج الأزمات، (أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الأبل)

نستنتج من هذا التخبط غياب إستراتيجية مائية علمية واقعية تعالج أزمة مياه قادمة، لحظوا بوادرها بداية سبعينات القرن الماضي، كما ورد فيما أطلق عليه  " إستراتيجية المياه عام 1997"  التي هي سياسات مائية معلنة لا صله لها بالإستراتيجية، ورغم ذلك عمّدت بأسم " إستراتيجية " وسنعود لهذا الموضوع لاحقاً.
لو كان هناك عقل إستراتيجي، يدير قطاع المياه بنهج علمي، هل كنا قد وصلنا إلى هذه الحالة الكارثية البائسة؟ بالتأكيد لا.

يضاف إلى أرقام العجز المائي أعلاه، العجز الغذائي، كون الغذاء منتج الماء، حيث كلف استيراد المواد الغذائية، التي تقع على كاهل الإقتصاد الوطني، تبلغ سنوياً حوالي ( 200 دولار للفرد الواحد )  بحسبةً بسيطة، ما مجموعه سنوياً مليارين  دولار( 10 مليون مواطن * 200  دولار للفرد = 2 مليار دولار) ، كانت الكلفة تبلغ حوالي( 484 مليون دولار) 110 دولار للفرد عام 1996 باعتبار عدد السكان آنذاك كان يبلغ 4.4 مليون نسمة، أي أن كلف استيراد الغذاء في تزايد مستمر، بينما كان الأردن نهاية ستينات القرن الماضي منتجاً يحقق الاكتفاء الذاتي،  وما يزيد كان معد للتصدير، هذه المعضلة نتيجة مباشرة لنهج التبعية الذي قاد ويقود حتماً إلى تدمير القطاعات المنتجة لصالح القطاعات المستهلكة، وتبني سياسة "تحفيز الاستهلاك ومعاقبة الإنتاج"  سياسة " النقطة الرابعة" منذ عهد الانتداب الثاني ( الأمريكي ) مطلع خمسينات القرن الماضي، وما سبقه من تبني نهج الاعتماد على المساعدات الخارجية والمنح والقروض الميسرة لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، منذ الإنتداب الأول البريطاني وتأسيس الإمارة.
المعضلة والأزمة تكمن في نهج الإعتماد على الخارج، مساعدات ومنح وقروض ميسرة، وتبني الحلول المستوردة لأزمة محلية بخصوصيتها، ألم يفشل مشروع " الإصحاح الاقتصادي" الذي فرضه صندوق النقد والبنك الدوليين من إخراج الأردن من أزمته، ألم يفاقم الأزمة فتزداد المديونية ونسب البطالة ومعدلات الفقر وتدهور القطاع الصحي والتعلمي؟

هل أزمة المياه بطبيعتها مستعصية على الحل؟ أم أزمة مستعصية بسبب النهج السائد، وبسبب  حلول مستوردة ومطبقة هي عناصر مولّدة للأزمة ذاتها، كما حال المديونية.
هل فعلياً هذه الأزمة تولّدت بسبب المبررات التي تسوّق علينا؟
" ازدياد عدد السكان تفوق نسبته المعدلات الطبيعية بسبب الهجرات السكانية ، وكذلك النزوح الى البلاد في مناسبات مفاجئة دون سابق إنذار"
أليس بوادر الأزمة المائية كانت قد ظهرت بداية سبعينات القرن الماضي، اي قبل حدوث النزوح المفاجئ، كما ورد في "الإستراتيجية المائي لعام 1997" وكذلك " خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية  قطاع المياه والري 1998-2002"
هذا بالإضافة إلى علم القيادة السياسية والاقتصادية، بأن إخراج الأردن من وعد بلفور قد تم بناء على دور وظيفي مرسوم من قبل الاستعمار البريطاني لهذه المنطقة، دولة عازلة وخزان بشرى لضحايا الحروب الاستعمارية ، النازحين والاجئيين، وضحايا حروب التشظي الأهلية القادمة على المنطقة، كما خطط لها المركز الرأسمالي العالمي بقيادة بريطانيا وفرنسا، قبل الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة الأمريكية بعدها. 
من يعتقد بأن أزمة المياه في الأردن أزمة فنية منعزلة عن أزمة النهج السائد، فهو بعيد كل البعد عن حقل المعرفة، وبعيد كل البعد عن القراءة العلمية لأزمة الواقع القائم، ليس فقط على صعيد المياه، بل على كافة الصعيد والقطاعات، هل هناك قطاع خارج نطاق الأزمة؟
ما نحتاج للخروج من الأزمة المستدامة وعلى كافة الصعد " عقل استراتيجي" يرتكز إلى سلطة المعرفة وقانون التراكم المعرفي، وخير مثال سياسة  الحصاد المائي الذي اتبعه المؤابيين قبل حوالي 3500 عام في هذه البقعة الجغرافية ,أسسوا مادبا واعطوها هذا الأسم الذي يعني " مدينة الماء والفاكهة علماً أنه لم يمر في مادبا نهراً ولم تكن هناك بحيرة، لا في مادبا ولا جوارها، أنه العقل الإستراتيجي المنتج.

يتبع...

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري