اكتب اليوم وانا على متن الطائرة المتوجهة من براغ في طريقها إلى عمان، كانت صدمتي كبيرة، وحزني عظيم مساء يوم امس، وانا أتصفح صفحات الفيسبوك، حيث تزاحمت التغريدات معلنة الخبر المؤلم، وهو رحيل الرفيق والصديق العزيز أبو الرائد فايز مصطفى.
خبر مؤلم، وموجع، وعند سماعه عادت بي الذاكرة الي الزمن الأول، الزمن الجميل الذي جمعتنا فيه عائلتنا الكبيرة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث جمعتنا اهداف واحدة وطريق واحد يسير باتجاه واحد هو فلسطين.
رحل الرفيق والفارس، رحل صاحب الموقف الجريء والكلمة الشجاعة
رحل صاحب المباديء الذي رفض المساومة عليها
رحل الرفيق المخلص لقضيته ووطنه
رحل ابو الرائد صاحب الابتسامة الجميلة التي لم تفارقه في احلك الظروف
رحل صاحب الضحكات و النكات، رحل من كان يضفي على الجلسات جو من المرح الدائم في اصعب الاوقات.
رحل من احب الحياة بقوة وحاول ان يجعلها حلوة عذبة، رحل من عشق فلسطين حتى نخاع العظم وبقيت بوصلته تؤشر الى فلسطين رغم انحراف بوصلة الكثيرين.
رحل من امن ان فلسطين لن تحررها الكلمات والبيانات وانما العمل.
رحل من امن ان الطريق الى فلسطين هو الكفاح المسلح.
رحل القائد الفقير الكادح الملتصق بأبناء شعبه ورفاقه طوال مسيرته .
رحل من تخلى عن المواقع القيادية عندما كان عضوا في المكتب السياسي للجبهة ..
رحل من كان يدرك ان الموقف اهم من الموقع وغادر الهيئات القيادية طوعا تاركا المجال للجيل الجديد كي ياخذ دوره.
رحل الرجل والقائد المتواضع الذي قدم نموذجا يحتذى عندما كان مسؤولا عن لجنة العمل النقابي والجماهيري في الجبهة، وكم كان هذا الموقع يليق به وهو يليق بالموقع. تعرفت على الرفيق ابو الرائد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، رافقته في رحلات مشتركة في مهرجان الشباب العالمي في كوبا عام ١٩٧٨، وكان معنا في ذاك الوقت الرفيق تيسير قبعة نائباً لرئيس الوفد الفلسطيني رحمه الله، وعدد اخر من الرفاق والرفيقات منهم الرفيقة مريم ابو دقة وسميرة صلاح اطال الله في اعمارهن واعمار الرفاق الآخرين الذين شاركونا فعاليات المهرجان وكانت من اجمل الأيام في حياتي.
كما ذهبنا سويا للإشراف على مؤتمر المنظمة الحزبية في الاتحاد السوفيتي، وكان معنا الرفيق ابو غسان العجرمي رحمه الله، وكانت جولة حزبية شاملة تم فيها الوقوف امام الكثير من القضايا.
ومن خلال تجربتي ومعرفتي للرفيق ابو الرائد عن قرب في ذاك الزمن، اقول انني اعتز وافتخر به وهو الكادح الحقيقي الذي جاء من وسط الجماهير وتبوأ اعلى المناصب القيادية في الجبهة بفضل جهوده وليس منة من احد.
لقد كان الرفيق ابو الرائد على خلق عظيم وترك اثرا ايجابيا في كل من عرفه او التقاه حتى ولو لوقت قصير.
لم يكن مرتاحا للوضع السياسي في مرحلة من المراحل وكان يدرك بوعيه وحسه الكفاحي ان هناك من يبيع الوطن ولم يعد يحتمل البقاء، بعد ان قدم الكثير وغادر الى الدانمارك مجددا مسيرة اللجوء التي عاشها بعد النكبة لكنه لم يغادر النضال وبقي ملتصقا بقضيته يعمل لصالحها ما استطاع اليه سبيلا.
رحل ابو الرائد بعد عدم قدرته على فراق الرفاق الاوائل الحكيم وأبوعلي، وابو ماهر وابو نضال مسلمي وصابر محي الدين، تيسير قبعة وعزمي الخواجا، عمر قطيش وابو أمل وشحادة غنام وابو احمد الزعتر، وغيرهم من الرفاق الذين عمل معهم، رحل كي يلتقي بهم حاملا لهم رسالة تقول الزمن لم يعد زمانكم والثورة لم تعد كما عرفتوها، الثورة تحولت إلى ثروة والقيادة اصبحت مشروعا تجاريا ولم تعد مشروعا وطنيا والأرض يتم بيعها والخيانة اصبحت وجهة نظر
لكن رغم ذلك ورغم الصعوبات شعبنا يواصل مسيرته بعزم واصرار ولن يتراجع حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني نعم ذهب كي يلتقي معهم ويطمئنهم ان هناك جيل جديد يواصل الدرب متمسكا بالكفاح المسلح وهو اكثر عزما واصرارا على تحقيق اهداف الشعب في الحرية و الاستقلال.
نعم وانت تغادرنا رفيقنا الحبيب بلغ تحياتنا للرفاق وقل لهم .
الرجال والشباب والأطفال يقاومون
النساء تقاوم
الأسري يقاومون
جنين تنتفض ونابلس والخليل و أريحا
والقدس صاعق التفجير وهي تعد العدة للمواجهة القادمة .
الشعب يقاوم رغم محاولات بعث الياس في نفوسه و اثارة الاحباط.
و نحن نودعك رفيقنا الحبيب نقول لك لن ننساك...لن ننساك.
سوف تبقى حيا معنا في ذاكرتنا وذاكرة رفاقك وابناء شعبك... ابناء المخيمات الذين عشت معهم ورفاق دربك في رحلة اللجوء للمرة الثانية في اوروبا.
نم قري العين بعد ان اديت واجبك.
ستبقى معنا وكما التقينا على طريق النضال لا بد ان نلتقي في العالم الاخر
اتقدم باسمي شخصيا وباسم عائلة ناصر في الوطن والشتات بخالص العزاء لأسرتكم الكريمة ولكل الاصدقاء والمحبين ورفاق ورفيقات الدرب في الجبهة الشعبية وعموم شعبنا الفلسطيني
المجد للشهداء
الحرية للأسرى
والنصر لشعبنا والهزيمة للعدو.
طارق ابوبسام
٢٣/٣/٢٠٢٣